إعلان

كيف يتعافى تعليمُنا من مرضه العُضال؟

كيف يتعافى تعليمُنا من مرضه العُضال؟

د. عمار علي حسن
09:01 م الثلاثاء 10 يوليو 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

إبحث عن لوجو مصراوي داخل الموقع يومياً خلال شهر رمضان للفوز بجائزة

تسجيل الدخول

شغلني التعليم، ولا يزال، لأني من المؤمنين بأنه الركيزة الأساسية لتحقيق التقدم في أي مجتمع، وله الدور الحيوي والضروري لبلوغه آماله التي يرجوها، وسيره في طريق التطور الذي ينشده، وبذا فإن ما يذهب إلى التعليم من مال لا يذهب سدى، ولا يروح بلا جدوى. ومع هذا فقد رأينا من يتصورون من أهل القرار أن التعليم يمكن أن ينتظر، وأن تحديثه وتطويره لن يصلح الحال ويغير المآل.

كان التعليم من القضايا التي انشغل بها مركز أبحاث ودراسات الشرق الأوسط، وقت أن أسسته وأدرته لثلاث سنوات امتدت بين 2005 و2008، ولا أنسى تلك الحلقة النقاشية التي عقدناها تحت عنوان " التعليم التكاملي المستمر.. التجربة اليابانية وسبل الاستفادة منها"، وشارك فيها لفيف من خبراء التعليم والتربويين المصريين والعرب وممثلي المنظمات الدولية والعربية المعنية بالتعليم بالقاهرة وأكاديميين ومتخصصين وخبراء وأساتذة جامعات في مجالات التربية والتعليم بالإضافة إلى ممثل مركز نومورا الياباني في العالم العربي، بغية بحث إمكانية الاستفادة من تجربة دولة متقدمة كاليابان واقتباس النقاط المضيئة التي تتناسب مع إمكانياتنا واحتياجاتنا في مصر، خاصة أنه ما كان لليابان أن تصبح، بعد نصف قرن من ضربها بالقنبلة النووية، قوة اقتصادية لها موقعها المؤثر في العالم بأسره، دون تعليم جيد، أفرز، ضمن خبرات وتصورات عديدة، تجربة في التعليم التكاملي المستمر تعتبر فريدة وجديدة ومهمة ويمكن لنا التعرف عليها ومناقشتها والاستفادة منها، إن صدقت النوايا، ومضت الإرادة في سبيل حيازة نظام تعليم يساعدنا على صناعة المستقبل.

وقتها قلت في افتتاح هذه الورشة "آن الأوان لنستفيد من تجارب أخرى غير غربية، وما سارت فيه اليابان في مجال التعليم ربما يكون أكثر اتساقا وتماشيا مع الإطار القيمي والديني والتقاليد العربية. لقد تزامنت التجربة اليابانية والمصرية في العصر الحديث في المجالات كافة، وخاصة التعليم، لكن ها نحن نرى نتائج متفاوتة حاليا بمستوى كبير بين الاثنين على خريطة التقارير الدولية للتنمية البشرية الدولية، ومن المؤكد أن استمرار اليابان في تطوير تجربتها التعليمية، وتعثر التجربة المصرية هو الذي صنع هذا التفاوت بعد عقود من الزمن".

وقد توالت آراء المتناقشين هؤلاء حول تجربتنا التعليمية، وانتهت إلى عدة خلاصات يمكن ذكرها على النحو التالي:

1- التعليم في مصر ليس في أحسن حالاته، ودون المستوى المأمول منه، وافتقد، لسنوات طويلة، وجود استراتيجية جديدة، تتضمن دراسات وبرامج متطورة، تراعي ما وصل إليه العالم المتقدم في مجال التعليم، وتقوم على في إجراءاتها على ثلاثة محاور، هي: تدعيم المباني المدرسية وتجهيزها بأحدث الوسائل التعليمية والتكنولوجية والمعملية، وتدريب المعلمين عماد العملية التعليمية، وتطوير المناهج بشكل عصري، بحيث يكون غير مرتبط بشخصية المسؤول الموجود على رأس الوزارة، بالسياسة التي يتبعها، ولكن تقوم على أسس علمية دائمة تحقق طموحات مصر في التقدم والرقي وبناء أجيال للمستقبل. أما في مضمونها فيجب أن تنبني على عدة عناصر: القدرة على اتخاذ القرار الرشيد، وإجراء توازن بين العقل والعاطفة، وبين الدين والعلم، والتحكم في الذات ونفع الآخرين.

2- لا يتطلب تطوير التعليم المضي في الدراسة والبحث واستخراج النتائج فحسب، بل إقناع المسؤولين والعاملين في قطاع التعليم بأهمية التطوير وضرورته وإشراك وسائل الإعلام في توعية المواطنين بأهداف وأهمية هذا.

3- لا يجب الاقتصار في مسألة الاستفادة من تجارب الأمم الأخرى على الغرب الأوروبي، إنما من الضروري النظر إلى تجارب أخرى مهمة لدول آسيوية، ومنها اليابان وماليزيا وسنغافورة، التي صنعت نتائج لافتة، لاسيما التجربة اليابانية التي لفتت نظر القائمين على شؤون التعليم في الولايات المتحدة الأمريكية، فجعلتهم يراجعون برامجهم التعليمية، ويفكرون فيما يمكن الأخذ به من هذه التجربة.

4- لا تعني الاستفادة من تجربة تعليمية ما أن نقوم باقتباسها كاملة، نظرا لاختلاف الظروف الاجتماعية والسياسية والثقافية والبيئية بين الدول، وعلينا كمصريين ألا نهمل تماما أي جوانب إيجابية، حتى لو كانت بسيطة، في تجربتنا التعليمية التي يجب أن تكون القالب الأساسي لأي تطوير، يضاف إليها المزايا الموجودة من التجارب الخارجية، الأمر الذي يقتضي الاستفادة من الخبرات المتراكمة في مجال التعليم في مصر، والتى تتعرض للإهمال الشديد، ولا يستفاد منها على أفضل وجه ممكن.

5- لا يعني التعليم التكاملي المستمر إلغاء التعليم الرسمي، إنما هو مكمل له، وهو ما تؤكده نظرية "نومورا" التي هي "مكمل" للنظام التعليمي الياباني، أسهم في حل العديد من المشاكل الاجتماعية التي صنعها التعليم التقليدي، وهي نظرية تنطلق من ضرورة التكامل العملي بين الأسرة والمدرسة والمجتمع لبناء شخصية سوية للفرد في المجتمع، واستعادة دوره المفقود المتمثل في تطوير الإنسان صاحب المعرفة والأفعال القيمة المترابطة، وتحقيق استقلاله الذاتي في مجتمع المعلومات، الذي لا يجب أن يقف عند حد إيجاد التجانس في عالم اليوم الذى أصبح قرية واحدة، بل يذهب إلى تحقيق التكامل والاعتماد المتبادل.

6- يجب ألا يكون التعليم نفعيا، بل ينهض بتقديم خدمات للمجتمع، دون إفقاد المتعلم شخصيته. فالتعليم في المجتمعات القديمة قام على أساس خدمة الأشخاص الذين يتعلمون، في حين تطور مفهوم التعليم حاليا فأصبح أكثر اتساعا، وصار المتعلم يتمكن من تحقيق مزايا لنفسه ونفع المجتمع الذي يعيش في جنباته. فالتعليم يجب أن يكون للجميع، وعليه أن ينتج مواطنين صالحين فاعلين سياسيا واقتصاديا واجتماعيا.

7- من الضروري الاستمرار بقوة في خلق جيل من الباحثين المتخصصين في قضايا التعليم وتطويره، يتسمون بالاستنارة، ويمتلكون القدرة على الإبداع، حتى يمكن أن يخرج من بينهم شخص، مثل السيدة نومورا التي ابتكرت نظرية في التعليم، بعد خبرة امتدت أربعين سنة، في العمل مجال التعليم باليابان، وتجوالها حول العالم للاطلاع على النماذج والتجارب التعليمية المتميزة في دول عديدة، ولقاءاتها وحواراتها العميقة مع خبراء التربية في مدارس عديدة.

8- يجب ألا يتوقف دور المعلم عند التلقين والحفظ إنما يجب أن يمتد إلى التوجيه والتوعية، ما يعني ضرورة تأهيله للقيام بهذا، وترك مساحة حرة له يتحرك فيها، بحيث لا يتحول إلى مجرد ببغاء يردد ما هو موجود في الكتب المدرسية.

9- على الحكومات أن ترشد الموارد الخاصة بالتعليم، وتسارع في وضع حلول للمشكلات التي تعترض تنفيذ برامج متطورة له، وأن تنأى بالتعليم عن أن يكون طرفا في المنافسة على السلطة، أو الصراع السياسي، أو أن يتأثر بمشكلات أخرى تؤدي إلى عدم قيامه بالدور المرجو منه.

أعتقد أن هذه الأفكار تستحق النظر فيها، إذ إنها لا تكتفي بتناول الإجراءات التي يجب اتباعها في سبيل إصلاح التعليم، ولا تقف فقط عند حد مضامين المناهج التعليمية، إنما تمتد إلى تناول أسس التعليم وأهدافه ودوره وعلاقاته أو تفاعلاته مع مظاهر الحياة وأنشطتها.

إعلان