إعلان

التعليم الأزهري.. ما له وما عليه (8 - 10)

د. عمار علي حسن

التعليم الأزهري.. ما له وما عليه (8 - 10)

د. عمار علي حسن
09:01 م الأربعاء 20 يونيو 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

إبحث عن لوجو مصراوي داخل الموقع يومياً خلال شهر رمضان للفوز بجائزة

تسجيل الدخول

التفتت الأعناق، وانتبهت الأذهان، وتعلقت الأفئدة بالأزهر مع تصاعد دور الجماعات التي توظف الإسلام في تحصيل السلطة السياسية والثروة الاقتصادية إثر انطلاق ثورة يناير وما تبعها، بعد أن كان سلوكها قبل الثورة يتوزع بين الاختباء والتحايل والظهور الخجول والتقدم التدريجي في أعماق المجتمع وممارسة العنف ضد السلطة.

فالقوى السياسية المدنية لجأت إلى الأزهر ليتصدى بفكره لجماعة الإخوان والسلفيين وحلفائهما من الجماعات والتنظيمات الدينية الأخرى، ولا سيما الجماعات والتنظيمات الدينية السياسية (الإخوان- الجماعة الإسلاميةـ تنظيم الجهادـ التيار السلفي) ركزت في دعايتها السياسية على نزع التدين عن المدنيين وإظهارهم بمظهر الكاره للإسلام، وليس المنافس السياسي الطبيعي لهذا التيار.

وزاد لجوء هذه القوى المدنية، ومعها مؤسسات الدولة التقليدية، إلى الأزهر مع وصول الإخوان إلى الحكم، وكانت ثمرة هذا توقيع القوى السياسية والفكرية المصرية في اجتماع برعاية الأزهر على وثيقة في 31 من يناير سـنة 2013م، لأن الجميع، حسبما ذكرت الوثيقة يعترفون "بدور الأزهر القيادي في بلورة الفكر الإسلامي الوسطيّ السديد"، ولذا فهم "يؤكدون أهميته واعتباره المنارة الهادية التي يُستضاء بها، ويحتكم إليها في تحديد علاقة الدولة بالدين وبيان أسس السياسة الشرعية الصحيحة التي ينبغي انتهاجها؛ ارتكازاً على خبرته المتراكمة، وتاريخه العلمي والثقافي الذي ارتكز على الأبعاد التالية:

1 ـ البعد الفقهي في إحياء علوم الدين وتجديدها، طبقاً لمذهب أهل السنة والجماعة الذي يجمع بين العقل والنقل ويكشف عن قواعد التأويل المرعية للنصوص الشرعية .

2 ـ البعد التاريخي لدور الأزهر المجيد في قيادة الحركة الوطنية نحو الحرية والاستقلال .

3 ـ البعد الحضاري لإحياء مختلف العلوم الطبيعية والآداب والفنون بتنوعاتها الخصبة .

4 ـ البعد العملي في قيادة حركة المجتمع وتشكيل قادة الرأي في الحياة المصرية .

5 ـ البعدُ الجامع للعلم والريادة والنهضة والثقافة في الوطن العربي والعالم الإسلامي".

وقد توافق المجتمعون على عدة مبادئ، ونصها:

"أولاً- دعم تأسيس الدولة الوطنية الدستورية الديمقراطية الحديثة، التي تعتمد على دستور ترتضيه الأمة، يفصل بين سلطات الدولة ومؤسساتها القانونية الحاكمة. ويحدد إطار الحكم، ويضمن الحقوق والواجبات لكل أفرادها على قدم المساواة، بحيث تكون سلطة التشريع فيها لنواب الشعب؛ بما يتوافق مع المفهوم الإسلامي الصحيح، حيث لم يعرف الإسلام لا في تشريعاته ولا حضارته ولا تاريخه ما يعرف في الثقافات الأخرى بالدولة الدينية الكهنوتية التي تسلطت على الناس، وعانت منها البشرية في بعض مراحل التاريخ، بل ترك للناس إدارة مجتمعاتهم واختيار الآليات والمؤسسات المحققة لمصالحهم، شريطة أن تكون المبادئ الكلية للشريعة الإسلامية هي المصدر الأساس للتشريع، وبما يضمن لأتباع الديانات السماوية الأخرى الاحتكام إلى شرائعهم الدينية في قضايا الأحوال الشخصية .

ثانياً: اعتماد النظام الديمقراطي القائم على الانتخاب الحر المباشر، الذي هو الصيغة العصرية لتحقيق مبادئ الشورى الإسلامية، بما يضمنه من تعددية ومن تداول سلمي للسلطة، ومن تحديد للاختصاصات ومراقبة للأداء ومحاسبة للمسؤولين أمام ممثلي الشعب، وتوخي منافع الناس ومصالحهم العامة في جميع التشريعات والقرارات، وإدارة شؤون الدولة بالقانون- والقانون وحده- وملاحقة الفساد وتحقيق الشفافية التامة وحرية الحصول على المعلومات وتداولها .

ثالثاً- الالتزام بمنظومة الحريات الأساسية في الفكر والرأي، مع الاحترام الكامل لحقوق الإنسان والمرأة والطفل، والتأكيد على مبدأ التعددية واحترام الأديان السماوية، واعتبار المواطنة مناط المسؤولية في المجتمع.

رابعاً- الاحترام التام لآداب الاختلاف وأخلاقيات الحوار، وضرورة اجتناب التكفير والتخوين واستغلال الدين واستخدامه لبث الفرقة والتنابذ والعداء بين المواطنين، مع اعتبار الحث على الفتنة الطائفية والدعوات العنصرية جريمة في حق الوطن، ووجوب اعتماد الحوار المتكافئ والاحترام المتبادل والتعويل عليهما في التعامل بين فئات الشعب المختلفة، دون أي تفرقة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين .

خامساً- تأكيد الالتزام بالمواثيق والقرارات الدولية، والتمسك بالمنجزات الحضارية في العلاقات الإنسانية المتوافقة مع التقاليد السمحة للثقافة الإسلامية والعربية، والمتسقة مع الخبرة الحضارية الطويلة للشعب المصري في عصوره المختلفة، وما قدمه من نماذج فائقة في التعايش السلمي ونشدان الخير للإنسانية كلها .

سادساً- الحرص التام على صيانة كرامة الأمة المصرية والحفاظ على عزتها الوطنية، وتأكيد الحماية التامة والاحترام الكامل لدور العبادة لأتباع الديانات السماوية الثلاث، وضمان الممارسة الحرة لجميع الشعائر الدينية دون أي مُعوِّقات، واحترام جميع مظاهر العبادة بمختلف أشكالها، دون تسفيهٍ لثقافة الشعب أو تشويهٍ لتقاليده الأصيلة، وكذلك الحرص التام على صيانة حرية التعبير والإبداع الفني والأدبي في إطار منظومة قيمنا الحضارية الثابتة .

سابعاً- اعتبار التعليم والبحث العلمي ودخول عصر المعرفة قاطرة التقدم الحضاري في مصر، وتكريس كل الجهود لتدارك ما فاتنا في هذه المجالات، وحشد طاقة المجتمع كلّه لمحو الأمية، واستثمار الثروة البشرية وتحقيق المشروعات المستقبلية الكبرى.

ثامنا- إعمال فقه الأولويات في تحقيق التنمية والعدالة الاجتماعية، ومواجهة الاستبداد ومكافحة الفساد والقضاء على البطالة، وبما يفجر طاقات المجتمع وابداعاته في الجوانب الاقتصادية والبرامج الاجتماعية والثقافية والإعلامية على أن يأتي ذلك على رأس الأوليات التي يتبناها شعبنا في نهضته الراهنة، مع اعتبار الرعاية الصحية الحقيقية والجادة واجب الدولة تجاه كل المواطنين جميعاً .

تاسعاً- بناء علاقات مصر بأشقائها العرب ومحيطها الإسلامي ودائرتها الأفريقية والعالمية، ومناصرة الحق الفلسطيني، والحفاظ على استقلال الإرادة المصرية، واسترجاع الدور القيادي التاريخي على أساس التعاون على الخير المشترك وتحقيق مصلحة الشعوب في اطار من الندية والاستقلال التام، ومتابعة المشاركة في الجهد الانساني النبيل لتقدم البشرية، والحفاظ على البيئة وتحقيق السلام العادل بين الأمم .

عاشراً- تأييد مشروع استقلال مؤسسة الأزهر، وعودة هيئة كبار العلماء واختصاصها بترشيح واختيار شيخ الأزهر، والعمل على تجديد مناهج التعليم الأزهري؛ ليسترد دوره الفكري الأصيل وتأثيره العالمي في مختلف الأنحاء.

حادي عشر- اعتبار الأزهر الشريف هو الجهة المختصة التي يُرجع إليها في شؤون الإسلام وعلومه وتراثه واجتهاداته الفقهية والفكرية الحديثة، مع عدم مصادرة حق الجميع في إبداء الرأي متى تحققت فيه الشروط العلمية اللازمة، وبشرط الالتزام بآداب الحوار، واحترام ما توافق عليه علماء الأم.

وقد ساهم هذا التوافق حول أهمية أن يكون للأزهر دور كبير في تجاوز مرحلة الصراع المدني- الديني العصيب في مصر عقب ثورة يناير في إعطاء الأزهر دور المرجعية الدينية في الدستور المصري الصادر سنة 2014، برضاء وتوافق القوى المدنية نفسها، في لحظة تصارعها مع تيار "الإسلام السياسي" الذي أراد احتكار الإسلام، بالانفراد بتمثيله، إما بتهميش دور الأزهر، أو السيطرة التامة عليه.

ولما تولى الإخوان الحكم، حاولوا السيطرة على الأزهر، بتعيين موالين لهم في المناصب المركزية والأساسية في الأزهر، جامعا وجامعة، وبدأت رحلة الصراع مع شيخ الأزهر نفسه، رغبة في إزاحته، لكن مثقفين وحركات مدنية شكلت جبهات للدفاع عن الأزهر في وجه الإخوان، حتى تم إسقاطهم عن الحكم قبل أن يتحقق لهم ما أرادوا.

ونكمل الأسبوع المقبل إن شاء الله تعالى.

إعلان