إعلان

عن العرب والولايات المتحدة الأمريكية

عن العرب والولايات المتحدة الأمريكية

محمد جمعة
09:01 م الثلاثاء 19 يونيو 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

إبحث عن لوجو مصراوي داخل الموقع يومياً خلال شهر رمضان للفوز بجائزة

تسجيل الدخول

مرة تلو الأخرى تعيد السياسية الخارجية الأمريكية إنتاج أخطائها في الأقليم إلى الدرجة التي دفعت عددا غير قليل من الباحثين والمحللين وخبراء العلاقات الدولية، إلى الاعتقاد بأن هذه "الأخطاء" هي السياسة ذاتها، وأنها مقصودة لذاتها، بل تصدر مع سبق الإصرار والترصد من قبل واشنطن !

والهدف- وفقا لأصحاب هذه الرؤية- هو الإبقاء على أزمات الإقليم مفتوحة، والاكتفاء بإدارتها دون حلها أو تسويتها. بمعنى أن الولايات المتحدة الأمريكية تتقصد إشاعة التوترات في الإقليم على نحو مستدام، لكن شريطة أن تظل تحت السيطرة، بدعوى أن كل ذلك (من وجهة نظر البعض) يخدم مصالح الولايات المتحدة الأمريكية، في استنزاف روسيا وإيران، وابتزاز أوروبا.

وأيضا توفير عوائد ضخمة للخزانة والشركات الأمريكية، كانعكاس لسياسة "استحلاب" دول الخليج الغنية، وامتصاص فوائضها النفطية، وإعادة تدويرها داخل شرايين الاقتصاد الأمريكي بالدرجة الأولى!

* واقع الأمر أن العرب مروا بمراحل ثلاث، تتصل بمتغيرات السياسة الأمريكية في المنطقة، منذ بداية الألفية الثالثة.

- المرحلة الأولى بدأت مباشرة بعد أحداث 11 سبتمبر2001 . آنذاك تبنت الإدارة الأمريكية، بقيادة جورج بوش الابن، منطق المحافظين الجدد في الدعوة إلى تحقيق الديمقراطية وتغيير الأنظمة أو إصلاحها، بدعوى قطع الطريق على ثورات غير محسوبة، وكذلك تقزيم أو القضاء على القوى المناهضة للولايات المتحدة في المنطقة.

آنذاك أيضا جوبهت تلك السياسة الأمريكية بمعارضة الأغلبية الساحقة من الأنظمة العربية، وأيضا بعض التيارات السياسية المعارضة في المنطقة العربية. وسبب معارضة الأخيرة أنها رأت في تلك السياسة الأمريكية أنها تستهدف استبدال أنظمة أخرى على "مقاس" الولايات المتحدة، بالأنظمة الموجودة !

ومع العام 2006 اتضح أن أي انتخابات أو عمليات تغيير للأنظمة ستأتي بقوى راديكالية مناهضة. وعليه جرى تغيير وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد، وفرملة الدعوة للإصلاح السياسي. مع الرهان على قوى السوق الحرة والخصخصة كقاطرة للإصلاح. وفعلا كانت الشركات المساهمة نوعا من عملية تقسيم الثروة ومن ثم تقاسم القوة والنفوذ. لكن جاءت الأزمة الاقتصادية العالمية لتضع حدا لهذه المرحلة.

- بدأت المرحلة الثانية بمجيء أوباما (2009 -2017) الذى بدا كعامل قلق كبير في المنطقة، على الأقل وفقا لحسابات دول مجلس التعاون الخليجي، باستثناء قطر.

إدارة باراك أوباما ارتكبت خطأين كبيرين، من وجهة نظر حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، الأول: يتعلق بالثورات العربية. وهنا كان "الخطأ" مركبا، بمعنى أنه تخلت عن أنظمة حليفة كان مطلوبا- من وجهة النظر الخليجية- المحافظة عليها. والأنكى التعامل مع البديل عنها، أي تيارات الإخوان المسلمين في المنطقة.

وفوق هذا وذاك أن إدارة أوباما لم تقدم الدعم المطلوب للإطاحة بأنظمة أُريد التخلص منها، مثل نظام الأسد في سوريا. والثاني: أنها أبرمت اتفاقا مع إيران لا يضمن عدم تمدد نفوذها في الكثير من الساحات العربية، كاليمن وسوريا ولبنان والعراق.

وبعد انتهاء فترتي رئاسة أوباما كان الاعتقاد السائد أن وزيرة خارجيته "هيلاري كلينتون" ستكون امتدادا له، ومن ثم التقت "مصالح" بعض العرب مع مصالح كل من إسرائيل وروسيا، في ألا تأتى كلينتون كرئيس للولايات المتحدة. واشتركت تلك الأطراف الثلاثة (من منطلقات ومصالح مختلفة) فى دعم دونالد ترامب.

-فريق ترامب هو فريق "أمريكي- إسرائيلي" ولهذا فإن تحييد " الملف الفلسطيني" وعدم السماح بأن يكون عائقا أمام ترتيب المنطقة، بات مطلبا وشرطا أساسيا ضمن جملة ما يطرحه فريق الرئيس ترامب. أما وفقا لحسابات بعض حلفاء الولايات المتحدة، فهناك أعداء وخصوم لهم الأولوية في المجابهة...إيران على رأس قائمة هؤلاء الأعداء. لكن وللمرة المليون، تتحرك واشنطن وفقا لحساباتها هي وليس لحسابات حلفائها.

ولو كانت الإدارة الأمريكية الحالية تريد حقا احتواء إيران وتغيير سلوك نظامها وإضعاف دوره وأدواته في الإقليم، ما ذهبت إلى ما ذهب إليه وزير خارجيتها الجديد، ولانخرطت في البحث مع الشركاء والحلفاء، عن مسارات سياسية تنتهي إلى تدعيم التيار الإصلاحي- التغييري في إيران، وخلق ديناميكيات وعمليات سياسية في دول الأزمات، تنتهي إلى تقليص الدور الإيراني وإضعافه.. بيد أنها اختارت السير في طريق معاكس تماماً لهذا الاتجاه، والأرجح أنه ستكون له عواقب وخيمة، ليس من بينها "انصياع" طهران لما صاغه "بومبيو" وزير خارجية "ترامب" تعبيراً عمّا يجيش في عقل نتنياهو وغرائزه.

واشنطن لا تريد حربا جديدة في المنطقة، بيد أنها لا توفر- بالمقابل- أي مشاريع لحلول سياسية لأزمات المنطقة.

ومحصلة ذلك في النهاية الإبقاء على بؤر التوتر مشتعلة في الإقليم... بمعنى أنه في غياب "حرب اقتلاع" للنظام الإيراني، وفى غيبة أي توجه لإطلاق عمليات وديناميكيات سياسية جديدة في دول الأزمات المفتوحة والمضمرة، لن تكون النتيجة سوى مزيد من الخراب والاستنزاف في هذه المنطقة.

وطالما أن "المواجهة الأمريكية- الإسرائيلية" ضد إيران لم تنتقل للداخل الإيراني، فستظل شعوب المنطقة العربية تدفع فاتورة تلك المواجهة من مقدراتها وأمنها، ومن سلامة وتماسك نسيج مجتمعاتها الداخلي.

إعلان