إعلان

السعادة في قرية دندرة (1)

السعادة في قرية دندرة (1)

د. أحمد عبدالعال عمر
09:00 م الأحد 15 أبريل 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

إبحث عن لوجو مصراوي داخل الموقع يومياً خلال شهر رمضان للفوز بجائزة

تسجيل الدخول

السعادة حلم الإنسان في كل زمان ومكان، والغاية الأسمى التي تكلم عنها الحكماء والفلاسفة والأولياء، وحاولوا أن يساعدوا البشر في معرفة ماهيتها، وسبل الوصول إليها، للخروج من حالة الشقاء الإنساني، التي طبعت حياة أغلب البشر على الأرض، وأشاعت بينهم ذلك الشعور المأساوي الذي عبر عنه كاتب "سفر الجامعة" في العهد القديم الذي رأى أن كل شيء باطل وقبض الريح، وتكدير للروح، ولا جديد تحت الشمس.

وقد جعل الفيلسوف اليوناني "أفلاطون" السعادة تكمن في الحب، وحالة الاكتمال والانتشاء بنصفك الآخر. أما تلميذه "أرسطو" فقد جعلها في حياة الفكر والعمل المستمر، إلى جانب الأصل الطيب، والصحة، والوجه الجميل، والأصدقاء الأوفياء، والحظ الحسن، والمال الوفير.

وفي ثقافتنا الإسلامية، كتب حجة الإسلام الإمام الغزالي كتابًا مهمًا في هذا الباب، عنوانه "كيمياء السعادة"، ميز فيه بين السعادة بمعناها الظاهري والسعادة بمعناها الروحي، ورأى أن من رحمة الله-تعالى- بعباده أن أرسل إليهم الأنبياء والرسل ليعلموهم كيمياء السعادة الحقيقية التي تكمن في اجتناب الرذائل وتزكية النفس، واكتساب الفضائل.

وفي حقيقة الأمر، فإن كل الكتابات التي عرفها تاريخ الفكر الإنساني عن السعادة لم تخلق بشرًا سعداء على الحقيقة، على الرغم من أنها صارت ميراثًا فكريًا ومبحثًا فلسفيًا يُدرس لطلاب العلم في نطاق بعض التخصصات الدينية والإنسانية، ويقوم بتدريسها أساتذة- ربما لم يعرفوا أصلًا طريق السعادة، ولم يعيشوها- لطلاب ودارسين يعانون من مظاهر الإحباط والبؤس الشخصي والعام.

ولهذا كله شعرت بحيرة كبيرة، عندما تلقيت دعوة كريمة من "مركز دندرة الثقافي" للمشاركة في الحوار الفكري "لمنتدى دندرة الثقافي الرابع" الذي يُعقد في قرية "دندرة" بمحافظة قنا يومي 13-14 إبريل الجاري، تحت عنوان "السعادة"، بهدف المساهمة في محاولة تحديد مفهوم السعادة، وتوضح الفرق بينها وبين الفرح، وعلاقة السعادة بالرضا.

وقد نبعت حيرتي من مصدرين:

المصدر الأول، ما الذي يمكن أن يقوله المرء عن قناعة وبصدق عن السعادة، لكي يصل إلى جمهور المنتدى، الذي يُعد بالآلاف، ويُحدث فيهم التأثير الفكري والشخصي الذي يتمناه، بما يجعل من حضوره إضافة للحوار الفكري حول هذا الموضوع؟

المصدر الثاني، التفكير في دوافع اختيار موضوع "السعادة" عنونًا ومحورًا فكريًا لملتقى ثقافي عام، يُعقد في قرية صغيرة في أعماق صعيد مصر، وفي هذه اللحظة الصعبة والحرجة من تاريخ مصر، والمنطقة العربية، وربما العالم كله؟

وقد تغلبت على مصدر الحيرة الأول، بتعميق القراءة والبحث في جوانب الموضوع كافة، منطلقًا من قناعة جوهرية مؤداها أن البحث الآن في موضوع السعادة، ومحاولة تحديد مفهومها، وتجلياتها وأشكالها، وسبل الوصول إليها- ليس رفاهية على الإطلاق، بل أولوية قصوى؛ لأن نقيض السعادة، وهو شيوع مشاعر الإحباط واليأس وفقدان الأمل، يهدد الأمن القومي المصري في الصميم، ويجعل قطاعًا من المصريين عرضة للاختراق ممن لا يريدون الخير لمصر، وييسرون لبعض فاقدي الأمل واليائسين سبل الحصول على سعادة متوهمة، وتحقق وجودي زائف يؤسس على أفكار مشوهة ومغلوطة وأفعال يجرمها القانون، وتهدد أمن الوطن وسلام المجتمع.

أما مصدر حيرتي الثاني، والمتعلق بدوافع اختيار موضوع "السعادة" محورًا فكريًا للمنتدى الذي يعقد في قرية صغيرة في صعيد مصر، فلم يتبدد إلا بعد وصولي إلى قرية "دندرة" ومقابلة السيد " الأمير هاشم بن الفضل الدندراوي"كبير الأسرة الدندراوية، والراعي لمراكز دندرة الثقافية، ورئيسها، والاستماع إليه والحوار معه.

ومع هذا اللقاء والحوار، عرفت عمق ونضج وعيه الوطني، والديني، والإنساني. وعرفت أيضًا جمال وسمو أن تكون كبيرًا مُقدرًا في قومك، وتملك من رأس المال المعنوي والمادي، ما يجعلك تعيش مكتفيًا مستمتعًا بعيدًا عن الناس، فتأبى هذا الخيار، وتجعل من خدمة الناس والارتقاء بهم ثقافيًا واجتماعيًا وماديًا هدفا لك، وتبذل من أجل تحقيق ذلك الهدف النبيل، كثيرًا من مالك ووقتك وجهدك، فتعرف نتيجة لذلك معنى السعادة الحقيقية التي لا تكتمل إلا بخدمة وإسعاد الناس.

وهذا موضوع مقالي القادم.

إعلان