إعلان

إبراهيم العريس.. وألف عام من الفكر السياسي

د. أمل الجمل

إبراهيم العريس.. وألف عام من الفكر السياسي

د. أمل الجمل
09:01 م الأحد 01 أبريل 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

جزء آخر بالغ الأهمية من موسوعة "تراث الإنسان" البالغة اثني عشر جزءًا للناقد السينمائي اللبناني إبراهيم العريس. (تصدر عن مركز الشيخ إبراهيم في البحرين ومؤسسته الشيخة مي آل خليفة المشهود لها بحماسها الثقافي ورغباتها التنويرية). هنا في هذا المجلد من الموسوعة، الذي يحمل عنوان "ألف عام من الفكر السياسي" ومنذ المقدمة يُؤكد العريس أنه لا يصح القول إن الفكر السياسي ولد مع عصر النهضة، حتى إن كان بالتأكيد شهد مع ذلك العصر اندفاعاته القوية، مشيرا إلى مولد الفكر السياسي منذ ولادة المجتمعات الإنسانية، ومنذ قررت أول مجموعة بشرية أن تعيش معاً؛ إذ صار يمكن النظر إلى قواعد العلاقات فيما بينها على أنها سياسة.

حتى قبل أرسطو وأفلاطون بكل ما نهلا منه من أفكار استمداها من شرائع حمورابي وغيره من المصريين، انعكس لاحقاً في الكتب المقدسة، أو على الأقل في الجانب الاجتماعي منها.

ينهض أسلوب المؤلف على استعراض مجموعة من النصوص وتحليلها بأسلوب معمق يشي بثقافة الكاتب الأصيلة المُلمة بفنون الأدب والسياسة والسينما والفن التشكيلي والفلسفة، بكلمات وأوصاف وتعبيرات لا تخلو من سخرية أحياناً، ممزوجة بالمقارنات يُوضح كيف ساهمت تلك النصوص في تطوير الفكر السياسي منذ عصر النهضة وحتى سنوات متأخرة من القرن العشرين. وكأنه يسعى لتقديم مشهد بانورامي لألف عام من تفكير الإنسان، بواسطة أفراده الأكثر اهتماماً وربما مشاكسة، ووعيا في المسألة السياسية، حتى لو كانت تلك النصوص تنطوي على أكاذيب على شهرتها الكبيرة، كما حدث مثلاً مع كتاب "تقسيم العالم" لماركو بولو الذي اشتهر وذاع صيته بالعالم، لكن كُثر من هاجموه، واعتبروه مجموعة من الأكاذيب، ومنهم شاعر إيطاليا الكبير دانتي.

إبراهيم العريس يتجاوز تلك الاتهامات ليحكي عن الدور الذي لعبه الكتاب في "تصنيع المخيلة الاستشراقية" لدى أهل أوروبا في العصور الوسطي، وقبل ذلك يبدأ من "السياسة المدنية" للفارابي، حيث مراتب الوجود وصولا للسياسة، ثم "كليلة ودمنة"، حيث أخلاق السياسة من الهند إلى أوروبا مروراً بالعرب.

أنصاف ميكافيللي

واحدة من الأمور اللافتة والبالغة حدود الدهشة ما كتبه الناقد السينمائي اللبناني إبراهيم العريس- الذي يُفضل أن يسبق لقبه "باحث في التاريخ الثقافي وصحافي"- عن مكيافيللي، عبر الأفكار الواردة باثنين من كتبه: الأول "الأمير"، حيث الانتقال من دولة الرعاية إلى دولة السياسة، ثم كتاب "فن الحرب" حيث لا حضارة من دون جيش يدافع عنها، وتكتسب آراء العريس هنا أهميتها ليس فقط من محاولته إنصاف شخصية مكيافيللي، ذلك الرجل الذي ارتبطت باسمه النزعة المكيافيللية الشهيرة التي تُبرر للطغاة جرائمهم، بينما كتاباته كما يُحللها العريس تكشف أنه براء من ذلك، مثلما أيضاً تكتسب تلك الكتابة التحليلية بالموسوعة أهميتها من كونها دراسة وقراءة في التاريخ، يمكن للحاضر الاستفادة منها بقوة.

والمؤلف، أثناء ذلك، يستعين بالمقارنات في كثير من الأحيان، فهنا مثلاً يقارن بين نصين لرجلين- كان بينهما فارق زمني مائة عام، لكنهما عاشا مغامرة لاقت فشلاً سياسياً وحياتياً- أحدهما عربي هو ابن خلدون صاحب "المقدمة" والكاتب الإيطالي نيقولا مكيافيللي صاحب "الأمير" والذي يعتبره كثيرون صاحب "أول فضح".

إعلان

إعلان

إعلان