إعلان

الاختلالات الهيكلية فى الاقتصاد المصرى.. وكيف نعالجها؟

الاختلالات الهيكلية فى الاقتصاد المصرى.. وكيف نعالجها؟

د. عبد الخالق فاروق
09:45 م الخميس 08 فبراير 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

إبحث عن لوجو مصراوي داخل الموقع يومياً خلال شهر رمضان للفوز بجائزة

تسجيل الدخول

من أبرز الاختلالات الهيكلية التى أفرخت المؤشرات السلبية والأزمات القاسية التى يعاني منها الاقتصاد المصرى والشعب المصرى:

1- اختلالات هيكلية فى قطاعات الإنتاج السلعي، مثل قطاعات الزراعة والري، وقطاع الصناعة والطاقة، وقطاعات البناء والتشييد، وهذه هي القطاعات التي تمثل العمود الفقري لأي اقتصاد حديث وقوي. 

2- اختلالات هيكلية في القطاعات المالية والنقدية، تمثلت في العجز المزمن والمتزايد في الموازنة العامة للدولة، وتآكل الاحتياطي النقدي بين الفينة والأخرى، وتفاقم الدين العام، وتدهور سعر صرف العملة المحلية أمام الدولار، والتضخم وارتفاع الأسعار المستمر، والسياسات غير التنموية لنظم الاقتراض المصرفي والائتماني.

3- اختلالات هيكلية في سياسات العدالة الاجتماعية، وتبني شعار خطير وضار، منذ منتصف السبعينيات، ألا وهو "تخفيف العبء عن كاهل الدولة "، فاختلت سياسات التعليم والصحة والأجور ومعاشات التقاعد، والنظم الضريبية، والبيئة والأمن، والعدالة والقضاء. 

4- اختلالات هيكلية فى إدارة الشأن الاقتصادى وانسحاب الدولة من كونها التاجر المرجح والمنتج المرجح، فانتشرت الاحتكارات، وسيطر المحتكرون على الأسواق تماما، وأصبحوا قوة ضاغطة وفاعلة فى رسم السياسات واتخاذ القرارات الاقتصادية وأحيانا كثيرة السياسية. 

5- تفشى ظواهر الفساد وممارساته بحيث تحولت إلى "دولة فساد" أو "فساد دولة" ، وما أطلقنا عليه "الفساد المقنن والمنظم" بحيث ساهمت السياسات العامة وسياسات التشريع فى توفير مظلة قانونية لكافة عمليات الفساد ونهب المال العام. 

6- اختلالات في فلسفة إدارة الاقتصاد المصري، والتخلي نهائيا عن فكرة ومفهوم التخطيط وتدخل الدولة في الإنتاج والتوزيع، فأصبحت آليات السوق وفوضاها هي السائدة، ما أدى لهيمنة الرأسماليين الجدد على مقدرات الاقتصاد المصرى، فتركزت الثروات الفاحشة في جانب الأقلية المحدودة، مقابل تفشي الفقر وازدياد أعداد الفقراء في المجتمع. 

على أي حال لقد أدت هذه الاختلالات البنيوية إلى نتائج سلبية على مجمل الأداء الاقتصادي والمالي للدولة المصرية. 

فكيف نعالج تلك الاختلالات الهيكلية؟ 

علينا بداية أن نقر، ونعترف أنه لن ينصلح حال سعر صرف الجنيه المصري أمام العملات الأجنبية، وخصوصا الدولار، دون أن نعالج فورا ودون إبطاء أصل المرض والعمل على عدة جبهات في آن واحد هى: 

أولا: إعادة النظر في التركيب المحصولي المصري، والعودة إلى تخطيط الدورة الزراعية والإنتاج الزراعي من أجل رفع نسب اكتفائنا الذاتي من أهم المحاصيل الزراعية، بما يؤدي خلال عامين فقط إلى تخفيض وارداتنا من هذه السلع والمحاصيل (القمح- الذرة الصفراء- الزيوت- اللحوم- السكر وغيرها) بنحو 12 مليار دولار، إلى 15 مليار دولار، وإعادة النظر في هيكل وبنية الصناعة المصرية التي أصبحت قائمة على التجميع من الخارج (سيارات- أجهزة كهربائية- أجهزة إلكترونية- ملابس جاهزة.. وغيرها)، وتنشيط شركات القطاع العام التي ستؤدي حتما إلى زيادة إنتاجنا الصناعي والصادرات المصرية، وكذلك زيادة الحصيلة الضريبية والإيرادات الحكومية عموما المحققة من هذه الشركات (نلاحظ أن حصة رجال المال والأعمال وشركاتهم لا تزيد على 10% من الحصيلة الضريبية)، ومن شأن هذه السياسة التى ستنتج آثارها فى أقل من ثلاث سنوات أن تخفض حوالى من 10 إلى 15 مليار دولار سنويا من مدفوعاتنا الدولارية للخارج. 

ثانيا: ترشيد سجلات المستوردين الذين زاد عددهم من 42 ألف مستورد عام 1994 إلى 840 ألف مستورد عام 2015، بحيث تنضبط سوق الاستيراد. 

ثالثا: العودة إلى نظام القوائم السلبية الذي كان معمولا به حتى نهاية التسعينيات، وحظر استيراد القطاع الخاص وشركاته للخمس عشرة سلعة الاستراتيجية، مثل القمح والذرة الصفراء والشاي والسكر واللحوم، ومن شأن هذا تحقيق هدفين، هما: تخفيض أرباح حفنة من التجار المستوردين لهذه السلع وتوفيرها لصالح الخزانة العامة، وضمان جودة هذه السلع والاحتياجات الأساسية للمواطنين، وأن تقوم هيئة السلع التموينية بهذا فورا. 

رابعا: التوسع في اتفاقيات التجارة الثنائية والمتعددة الأطراف القائمة على المبادلات بالمقايضة، أو بنظام الدفع بالعملة المحلية (كما حدث جزئيا مع الصين مؤخرا، وما تتبعه دول البريكس) ، مما يؤدي إلى تقليل الأثر السلبى لتغيرات سعر صرف الدولار في السوق الدولية، وتخفيض مدفوعاتنا الدولارية إلى الخارج.

خامسا: إلزام المصدرين من القطاع العام أو الخاص، بضرورة توريد 80% على الأقل من حصيلة صادراتهم بالنقد الأجنبي إلى البنوك المصرية في الداخل، وهناك سابقة معروفة عام 2003 حينما عصفت بمصر أزمة دولار مشابهة، فقام رئيس الوزراء وطباخ السم كله الدكتور عاطف عبيد فى ذلك الوقت بإصدار القرار رقم (506) لسنة 2003 الذى نص على إلزام المصدرين والمتعاملين مع الخارج على تحويل 75% من حصيلتهم بالنقد الأجنبى إلى الداخل، ثم عاد عنه تحت ضغط جماعات المصالح الفاسدة وطبقة رجال المال والأعمال بعد أقل من عدة أسابيع. 

سادسا: إعادة النظر في سياسات تشغيل قطاع البترول والغاز المصري، وزيادة نسبة الإتاوة التى تحصل عليها مصر من 10% إلى 15% ، والتى كان معمولا بها من في الستينيات والسبعينيات حتى منتصف التسعينيات، حينما قامت مجموعة المصالح التي أدارت قطاع البترول والغاز المصرى بتخفيض هذه النسبة إلى 10% إرضاء للمستثمرين الأجانب، والتنازلات الأخرى الخطيرة التي نتج عنها أن نصيب الشريك الأجنبي من آبار البترول والغاز المصري تتراوح بين 60% إلى 65%، بينما هى فى الدول العربية المحيطة وكثير من دول العالم لا تزيد حصة الشريك الأجنبى على 40% . 

سابعا: وضع قيود تحفيزية لحركة الأموال الساخنة فى البورصة وسوق الأوراق المصرية، تماما كما فعل "مهاتير محمد" فى ماليزيا وقت الأزمة العاصفة التى اجتاحت دول جنوب شرق آسيا فى عام 1997، واستمرت عدة سنوات، فلم ينصع الرجل- صاحب الرؤية والخبرة والبصيرة- لمطالب وشروط صندوق النقد الدولى، وإنما قيد حركة الأموال الخارجة من ماليزيا ومنح المستثمرين الجادين مزايا إضافية في حال استثمار أرباحهم في داخل البلاد، بدلا من إخراجها وتهريبها للخارج كما فعل كثير من رجال الأعمال المصريين والعرب في مصر طوال السنوات الأخيرة. 

ثامنا: بناء نظام ضريبى عادل، وبدونه لن نتمكن أبدا وإلى يوم القيامة من إعادة بناء بلادنا، وتغطية العجز الكبير في الموازنة العامة للدولة، وهناك مخطط كامل لكيفية إعادة بناء منظومة الضرائب في مصر (إداريا- تشريعيا- وظيفيا- تنظيميا- وماليا)، بحيث لن تستغرق عملية إعادة البناء تلك، إذا ما توافرت الإرادة السياسية، ثمانية عشرة شهرا، تبدأ ثمارها في الظهور، ومن شأن هذا النظام الجديد مع محاربة الفساد بصورة حقيقية، ووفقا لخبراء الضرائب، أن يزيد الحصيلة الضريبية من 150 إلى 300 مليار جنيه، لأن هناك طاقة تمويلية كبيرة، ولكن للأسف تأخر الإصلاح يؤدى إلى إهدار الموارد والقدرات . 

يكفي أن نعرف أن المصريين قد اشتروا فيلات وقصورًا وشاليهات سياحية طوال ثلاثين عاما (1980-2011) بحوالى 415 مليار جنيه، وأن معظم الشركات التى قامت بالجزء الأكبر من هذا البناء (12 شركة كبرى)، قد حققت أرباحًا تقدر بحوالى 300 مليار جنيه، لم تسدد عنها ضرائب سوى النذر اليسير، وبرغم إدراكنا بأن هذه الأفكار والسياسات سوف تواجه بمقاومة عاتية من كثير من رجال المال والأعمال والمستوردين والمحتكرين الكبار والأغنياء عموما فى البلاد، فإن المصلحة الوطنية لمصر تفوق أي أعتبارات، وتجب أي مصالح جزئية لهذه الفئة أو تلك. 

إن مصر فى خطر.. فهل يفهم الحكام وحلفاؤهم ذلك؟!

إعلان