إعلان

أزمة الحاكم والإعلامي: من الفاعل في النهاية؟

أزمة الحاكم والإعلامي: من الفاعل في النهاية؟

محمد حسن الألفي
09:01 م الثلاثاء 25 ديسمبر 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

إبحث عن لوجو مصراوي داخل الموقع يومياً خلال شهر رمضان للفوز بجائزة

تسجيل الدخول

في زمان قل فيه العقل، وتراجعت فيه الحكمة السياسية، وتوارت العقلانية الإعلامية، وتقدمت حشود الدهماء، والقطعان، عبر صفحات التواصل الاجتماعي ومنصات الأخبار الزائفة وغير الزائفة- يصبح من العقل حقا، بل من الفرائض الواجبة لأطراف هذه العلاقة المتشابكة الرجوع لهذا الكتاب المرجع (صراع المعايير بين صانعي القرار والإعلاميين) للدكتور السيد بهنسي، أستاذ الصحافة بجامعة عين شمس.

لا نزكي الدكتور، بل نزكي العلم المفيد، والتشخيص الصحيح لمرض متفشٍ، منتشر، يعاني منه الحاكم والإعلامي بمعناه الأوسع والجمهور.

نقطة الاشتباك هي: من يضع الأجندة؟ ومن يضع العقبات؟

المقصود بالعقبات العقاب المتبادل عادة بين السلطة ومن يراقبها بالنقد والحساب والمراجعة. لم نستخدم تعبير القيود، لأنها أداة للسلطة لا تملكها الصحافة ولا الإعلام.

الأجندة الإعلامية معروفة سلفًا لممارسي المهنة، فهناك في الحقيقة ثلاثة مصادر أساسية، أولها: ميثاق الشرف الإعلامي، وسياسة التحرير المتفق عليها، والقانون.

المشكلة ليست في الأجندة الإعلامية، لأن أي اختراق لها سيجد عقابا في القانون، وفي النقابة الراعية لمواثيق المهنة وشرف الأداء فيها.

المشكلة في أجندة الحاكم، فهي تمثل معتقداته وأولوياته ورؤاه، وتركيبته الذهنية والنفسية وخلفيته الاجتماعية وثقافته.

كل هذا في سياق حزب ينتمي إليه صعِد بفضله، أو جماعة دفعت به، مؤمنة بقدراته، وهو جزء لا يتجزأ منها.

المساس بقائمة أولويات الرئيس هدف طبيعي للإعلامي، وواجب مهني، يحاسب عنه في حال التقصير من الجمهور المتعطش للمعرفة ومن قيادات الجريدة أو المنصة الفضائية.

المساس لا يعني الانقضاض أو التشويه، بل يعني الاشتباك بالفحص والتمحيص، والانتقاد، وطرح البدائل، ومحاسبة الحاكم على عثرات سابقة له أو لمن سبقوه والتحذير منها.

من حق السياسي، إذن، أن يضع جدول أعمال إدارته للبلد، ومن واجب الإعلامي أن يراقب أمرين:

دقة ومصداقية التنفيذ، وملاءمة التكاليف للدخول، والتعبير الأمين عن آلام الشكوى والتوجع.

في المقابل، ينبغي على السياسي ألا يجد في ذلك تدخلا في دوره، أو إزاحة له من فوق مقعده، بل عليه أن يستخدم الإعلام كإحدى أدواته الفعالة في استمالة الرأي العام، وكسب تعاطفه مع أجندته، وأن يفعل ذلك بصدق وحماس وشغف (كان الرئيس السادات بارعًا حقا في ذلك، إذ سخر الإعلامي العالمي كله، وقاده وراءه بذكاء، جمع بين دهاء السياسي وخبرة الصحفي القديم).

على الجانب الآخر، يحدث في السنوات العشر الأخيرة ركوب أدوار، واختلاط وظائف، وتداخل أقرب إلى اختلاس المواقف! فالإعلامي زاحم السياسي، والسياسي يتعطف الإعلامي، ويكاد يؤلهه !

وقع ذلك بسبب توحش "تويتر وفيسبوك وإنستجرام"، وغيرها من منصات الحشد والتجييش والتعبئة والمواعدة التخريبية.

القوة الغاشمة لهذه المنصات زاحمت في الحقيقة طرفي العلاقة السياسية: السلطة والإعلام، وبات للمحرر المجهول (وهو هنا ربما كان مليونًا أو ملايين من المحررين المحرضين) قوة تجاوزتهما معا بما تبثه من أكاذيب، ومن أنصاف الحقائق، ومن عنصرية، ومن استعطاف، ومن تمييز، ومن كراهية.

جميعها مفردات وبوستات سرعان ما تتحول إلى خروج هائج لقطعان غاضبة تملأ الشوارع والميادين، تهتف وتخرب وتدمر.

هنا يصبح السياسي الحاكم طعما وهدفا لهذه الجموع، وتصبح هذه الجماهير مادة للإعلامي، بما تقوله وما تفعله أو حتى ما لا تفعله.

هذا دور المهنة وواجبها، وحين تفعله تعكس رسائل يراها الحاكم ضده ومزيحة له، فينقلب عليها، ويمقتها، ويصدر أحكاما بقطع ألسنتها وقصف كاميراتها !

لكن.. رغم آلام الإعلام.. وأنها بضربات الحاكم، صارت تقريبا في نفس الخندق مع الجمهور الساخط.. فإنها باتت تتلقى نظرات الشك.. وغالبا الركلات القاسية من الجمهور الرافض لها هي الأخرى !

وتلك قصة أخرى ...

ونواصل... التشخيص والحلول لأزمة الثقة القائمة بين سلطتين تتنازعان عقل وقلب الجماهير: الحاكم والإعلامي

إعلان