إعلان

بين ندوة دبي للثقافة والعلوم وحفيد أبوالغار ومكتبة الإسكندرية

بين ندوة دبي للثقافة والعلوم وحفيد أبوالغار ومكتبة الإسكندرية

د. أمل الجمل
09:00 م الأحد 23 ديسمبر 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

إبحث عن لوجو مصراوي داخل الموقع يومياً خلال شهر رمضان للفوز بجائزة

تسجيل الدخول

أعلم جيدًا أن كتابي «سمير فريد.. الناقد السينمائي النموذج والمثال» استفز كثيرين، وربما أغضبهم، ليس فقط من مجايليه، ولكن أيضاً من النقاد الشباب، ومن أجيال متباينة. ربما لعب العنوان الدور الأكبر في ذلك، لأن البعض منهم يري في نفسه الناقد الأهم الذي يجب أن يُحتذى.

أُدرك ذلك من بعض التعليقات المتوارية، وتلميحات بعض الزملاء بأن كتب سمير فريد كانت تجميعًا لمقالاته عن الأفلام، وآخرها تعليق من شخص على مواقع التواصل الاجتماعي مٌعلقًا على غلاف الكتاب قائلاً: «أتحفظ على تسميتها نقود لأنها في منأى عن أي منهج نقدي واضح بمرتكزاته ورؤيته».

الآراء السلبية حول كُتّابي لم، ولن تزعجني إطلاقاً، أراها- إن كانت موضوعية، بعد قراءة متأنية كاملة، وغير مبتسرة- مفيدة جدا لي، لأنها تُضيء مناطق جديدة للبحث والتفكير، والتعمق، وربما تفتح بابًا آخر لدراسة جديدة.

ما يُثير دهشتي هو جرأة البعض في أن ينتقد من دون القراءة، أو أن يقرأ العنوان، ويخطف بعض الصفحات ثم يخرج ليُكون رأيًا ما.

فهل هذه قراءة عادلة منصفة؟! كيف يجرؤ أمثال هؤلاء علي طرح رأيهم ومناقشة كتاب بهذا المنطق المنحط؟!

وما يُثير دهشتي أيضاً أنه حتى الآن لم يناقش أحدهم الكتاب، أقصد مناقشة حقيقية موضوعية توضح نقاط الاختلاف ومبرراته.

المقالات التي كُتبت إما مديحٌ، وإما عرضٌ لفصول الكتاب. الهجاء يتم في الكواليس، بنقاش مبتسر غير موضوعي. والصمت غالب.

وما يُثير دهشتي أكثر وأكثر هو أن صاحب ذلك الرأي- وغيره من الغاضبين- لم يقرأوا كل كتابات ونصوص سمير فريد عن الأفلام، لم يُخضعوها للتحقيق والدراسة، لم يتأملوها لاستخراج نتائج تقول بالدليل العلمي والنقد المنهجي إن ما كتبه سمير فريد لا يُعتبر نقدا ممنهجاً، ولماذا- في رأيهم- وصفوها بأنها "في منأى عن أي منهج نقدي واضح بمرتكزاته ورؤيته"؟!

هكذا- في رأيي- يكون الأسلوب العلمي والمنهجي في الاعتراض على الكتب والشخصيات. حضرته لم يُعجبه كتابي، ويعترض عليه، فيرى أن سمير فريد لم يكتب نقداً سينمائياً. إذن، بكل بساطة، كل ما عليه هو إثبات أن سمير فريد لم يكتب نقدًا سينمائيًا. لكنه للأسف- وغيره- يكتفون بإلقاء الكلمات والتلميحات أو الصمت.

أضف إلى ما سبق أن مثل هؤلاء- للأسف- لم يقرأوا إنجاز سمير فريد الكامل المتكامل؛ لقد اكتفوا بمتابعتهم كتاباته في السنوات الأخيرة التي لم يكن النقد التحليلي يشغل إلا حيزا قليلا منها؛ إذ كان يُكرس وقته لمتابعة أحوال السينما عالميًا وقراءة كل ما يصدر عنها، أو دعم السينمائيين الشباب بسبل متباينة، ومناقشة قضايا الفن السابع من زوايا أخرى، ومساندته ودعمه لمهرجانات ناشئة داخل مصر وخارجها، ثم محاولاته لإخراج حلم حياته- أقصد السينماتيك والأرشيف السينمائي- إلى النور، والذي عاد إلى ذاكرتي بقوة ثلاث مرات هذا الشهر في ثلاث مناسبات مختلفة.

ذاكرة العرب

أولها ما قرأته- في صدر جريدة القاهرة، العدد ٩٦٠، بتاريخ ١١ ديسمبر ٢٠١٨- من تصريح مُبهر لمدير مكتبة الإسكندرية د. مصطفى الفقي بمناسبة إطلاق العدد الأول من مجلة «ذاكرة العرب».

التصريح يثير عشرات من علامات الاستفهام؛ إذ يقول: «في لحظة قلقة مضطربة فقد فيها العرب تراثاً إما هُرب، أو دُمر، أو تناسته الأجيال الجديدة؛ كان لزاماً على مكتبة الإسكندرية أن تتصدى بدور فعال في حفظ تراث العرب وذاكرتهم البصرية والمرئية».

وسؤالي للدكتور الفقي: وأين تاريخ مصر وتراثها المنهوب في كافة المجالات؟!

من باب أولى أن ينصبّ اهتمام مكتبة الإسكندرية على تراث أرض الكنانة، وعندما تستطيع حفظه واستعادته، ساعتها من حقها أن تهتم بتراث العرب، أليس كذلك؟!

أم أنه- كما يقول المثل الشعبي-: «باب النجار مخلع»؟!

يا دكتور، فاقد الشيء لا يُعطيه، وإذا كانت مصر بمؤسساتها الثقافية غير قادرة على حفظ تراث أجيال، فكيف- بالله عليك- سوف تستعيد وتحفظ تراث العرب؟!

وأبسط مثال لذلك الأرشيف السينمائي الذي قال عنه المخرج والسيناريست الدكتور محمد كامل القليوبي- رحمه الله-: «كدنا نصنع أرشيفًا عن رغبتنا في صناعة الأرشيف السينمائي».

في نفس التقرير السابق، تصريح آخر للدكتور خالد عزب، مدير قطاع المشروعات بالمكتبة، يتحدث فيه عن مشروع مجلة «ذاكرة العرب» الذي يهدف- وفق تصريحه- إلى «بناء أكبر وأهم أرشيف رقمي في الوطن العربي لتاريخ وتراث العرب عبر العصور... وتوثيق تاريخ الأمة العربية».

التصريح به تفاصيل كثيرة، والحقيقة يبدو المشروع ضخمًا، ويحتاج رأس مال كبيرًا، ما دام مهتمًا بالأمة العربية جمعاء.

وسؤالي للدكتور خالد: لماذا لا تبدأ من أرشيف المبدعين المصريين في المجالات كافة، وتقومون بحفظ نسخ منها، وتتفاوضون مع الورثة، وتنقذون تراثًا حقيقيًا مهددًا بالضياع أو الاندثار؟!

أم أن حفظ تاريخ وتراث الأمة العربية أهم من حفظ تاريخ وتراث مصر؟!

ندوة الثقافة والعلوم

شغوفٌ أنا بالتوثيق. عملي البحثي وتأليف الكتب السينمائية والمعاناة التي أتكبدها عندما أبدأ في الاشتغال على دراسة سينمائية- جعلني أُدرك تماما أهمية التوثيق. الباحث في الخارج لديه المكتبات والأرشيفات التي تُتيح له المراجع بجميع أشكالها، وما عليه إلا أن يجلس على مكتبه، ويقرأ، ويفكر، ويتأمل، ويعمل على بحثه لينجزه. كل ما يحتاجه هو المجهود الذهني، والعقل المتفرغ تماماً للبحث.

أما في مصر، فالباحث- الحقيقي الأمين الذي ينأى بنفسه عن الانتهازية والفهلوة- يجري هنا وهناك، يُضيع الساعات في البحث والتنقيب عن أدق أو أبسط معلومة قد تُغير مسار البحث، وأحيانا يضيع الوقت سُدى من دون أدنى فائدة، وحتى إن عثر على معلومات، فهي دوما ناقصة، وعليه أن يُمارس أحياناً حيلًا وألاعيبَ ليتمكن من الاطلاع على بعض الوثائق، أو التقارير، أو الصحف، والمجلات.

باختصار: ممكن الباحث يظل شهرين أو ثلاثة يبحث عن المعلومات، وأحيانا سنة قبل أن يشرع في كتابة الدراسة التي يقوم بها.

من منطلق هذا الشغف بالتوثيق، أعشق زيارة المتاحف، والمعارض التوثيقية لمتابعة الجديد، للتأمل والتعلم، والاستفادة في بحوثي.

لذلك أثناء تواجدي بدبي والشارقة الأسبوعين الماضيين حضرت عدة فعاليات وندوات، من بينها- وما يتعلق بمقالي هذا- معرض الإمارات للهوايات والمقتنيات الخاصة في دورته الأولى، والذي ضم مقتنيات، منها آلات تصوير، وبطاقات هاتفية، وأسلحة، وأوسمة ونياشين وميداليات، وطوابع بريدية، وعملات ورقية ومعدنية، ولوحات سيارات.

وأُقيم المعرض في مقر ندوة الثقافة والعلوم بدبي التي سبق لي حضور عدة فعاليات بها على مدار السنوات منذ عام ٢٠١٢.

أهمية درامية وتاريخية

بالطبع، العاملون في مجال الدراما، سواء كان مسرحًا أو تليفزيونًا أو سينما- يُدركون تماماً أهمية ذلك المعرض، خصوصا عند التوثيق لحقبة معينة بكل تفاصيلها.

إنها تحكي تاريخ البلد وعلاقاته بجيرانه في بعض الأحيان، فمثلاً فيما يخص العملات الورقية والمعدنية- التي قام بتوثيقها المهندس راشد النعيمي- نجدها ترصد تداول عملات الملك سعود في دولة الإمارات لمدة ثلاثة أشهر فقط من عام ١٩٦٦، بعدها استخدمت أبوظبي عملة حكومة البحرين، وتم إنشاء مجلس مشترك بين إمارتي قطر ودبي باسم مجلس نقد قطر دبي سنة ١٩٦٦، واستمر حتى العام ١٩٧٣ إلى أن تم إصدار مجلس النقد لدولة الإمارات.

أهمية هذا الجهد التوثيقي أنه (إلى جانب أهميته للأعمال الدرامية التي تتناول تلك الحقب التاريخية) يساعد الباحثين الآخرين على إعادة قراءة التاريخ وتطور دول المنطقة والعلاقات بين بعضها البعض، ما يجعلنا نتساءل لماذا لم تصمد العملة السعودية في الإمارات سوى ثلاثة أشهر فقط، وكذلك عملة البحرين، بينما صمدت عملة قطر نحو ست سنوات؟!

ولماذا جاء قرار استقلال العملة؟! وكيف؟ وما الذي جعل القرار يتأخر كل تلك السنوات؟!

بلال البدور.. مشروع رواية

من طرائف هذا المعرض أيضًا القسم الخاص بتوثيق نسخ من مفاتيح الفنادق، والذي قام به بلال ربيع البدور الذي يُعد أحد أهم المؤسسين لكيان ندوة الثقافة والعلوم. والحقيقة أن الفكرة مغوية لأن تكون متن قصة أدبية أو رواية مشوقة.

بدأ البدور هواية جمع مفاتيح الفنادق، بعد أن وجد بمحض الصدفة في حقيبة السفر اليدوية بطاقتين جميلتين تمثلان مفاتيح فندقين في بلدين مختلفين، وقد مرت عليهما فترة غير قصيرة، واستدعتا ذكريات لاثنتين من رحلات السفر، ثم تحولت الصدفة إلى القصدية، ونمت المجموعة شيئا فشيئا، فأصبحت الهواية بالنسبة له ليس فقط تسجيلًا، بل استحضارًا لأماكن في بلدان مختلفة وذكريات متنوعة.

الطريف أيضاً أن الروائي المصري ناصر عراق عندما عرّفني للمرة الأولى ببلال البدور، منذ عدة أعوام قال عنه ضاحكا: "البدور يعرف مصر أكثر منا نحن- المصريين- من شدة حبه لها"؛ فقد درس في الأزهر، وعمل في السلك الدبلوماسي، وفي الثقافة والإعلام وقطاع الشباب والرياضة، وكان سفير الإمارات بالأردن، منذ عدة سنوات، وكان من المؤسسين لندوة الثقافة والعلوم والمساندين لها ولدورها الذي حققته في الساحة الثقافية والعلمية، على مدار عشرين عاماً، من خلال احتضانها للفعاليات الثقافية والفنية بمختلف فروعها، وتنظيمها لندوات ومحاضرات ومعارض ثقافية وفنية.

صحيح أن الندوة تتبنى جائزة العويس للدراسات والابتكار العلمي، لكنها أيضاً تتبنى المواهب العلمية والأفكار الإبداعية لأبناء وبنات الإمارات، إلى جانب تنظيمها جائزة راشد للتفوق العلمي التي كرمت، منذ انطلاقها، أكثر من خمسة آلاف من المتفوقين الإماراتيين، ما يجعلنا- بمناسبة صدور مجلة ذاكرة العرب- نتساءل:

ألا يقتدي مدير مكتبة الإسكندرية بما تفعله الدول العربية- ومنها دبي- بأن يهتم بحماية التراث المصري ومساندة الإبداع المحلي، قبل أن يفكر في حماية التراث والإبداع العربيين؟! فكما يقول المثل «اللي يحتاجه البيت يحرم على الجامع» و«جحا أولى بلحم توره».

توثيق الزمالك

صباح الخميس الماضي، قرأت على صفحة التواصل الاجتماعي (فيسبوك) كلمات للدكتور محمد أبوالغار يدعو فيها لزيارة معرض حفيده، يوسف زكريا، وهو شاب عمره ١٦ سنة، قرر أن يُوثق لأهم معالم جزيرة الزمالك، من خلال التصوير الفوتوغرافي؛ إذ قضى أسابيع يطوف الزمالك لتصوير الأماكن المهمة والتاريخية. الحقيقة أن وجود اسم الدكتور أبوالغار هو ما شجعني على الحضور، من أجل لقائه ولقاء أسرته التي أُكنّ لها تقديرًا كبيرًا، منذ كنت أحضر جلسات «نادي الكتاب» في بيتهم بصحبة زوجي الدكتور شريف حتاتة.

هناك حضرنا مناقشات كتب وروايات عديدة. كانت أمسيات رائعة تتخللها السهرات الموسيقية الممتعة، وكان زوجي ينتظرها بشغْف طفولي مُبهج.

قبل الموعد بنصف الساعة، ذهبت لأتأمل على مهل اللوحات قبل الزحام. أعجبني شغْف يوسف ومهارته في اختياراته حدودَ الكادر، ومركز التكوين بكل صورة.

لفت نظري محاولته لخلق أكثر من بُعد باللقطة الواحدة، رغم أنه لا يستخدم عدسات سينمائية. أعجبني الحس الفني- حتى إن لم يستطع شرح المنطق- وراء بعض اللوحات التي تجمع بين مستويين، بين القديم والأحدث، كأن وراء اللقطة بُعدًا رمزيًا.

المعرض يقول إن هناك موهبة قادمة في عالم الفوتوغرافيا، وربما تمتلك مواهب أخرى.

المعرض لم يتجاوز ٢٥ لوحة، لكن هناك كتابًا ضخمًا مليئًا بالصور الجميلة التي تعتبر من وسائل الدعاية السياحية لمصر.

لكن قبل هذا وذاك، لا بد من توجيه شكر إلى المدرسة التي تحث طلابها- ومنهم يوسف زكريا- على توثيق الأماكن التاريخية في مصر، وتُلزمهم بإتمام مشروع كتاب عن تلك الخيارات.

ونتمنى أن يُطبق هذا المنهج التوثيقي في مناحي حياتنا كافة.

إعلان