إعلان

خريطة غير آمنة!

خريطة غير آمنة!

د. ياسر ثابت
09:00 م الأربعاء 19 ديسمبر 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

إبحث عن لوجو مصراوي داخل الموقع يومياً خلال شهر رمضان للفوز بجائزة

تسجيل الدخول

أعاد المهندس خالد صديق، المدير التنفيذي لصندوق تطوير العشوائيات، فتح ملف العشوائيات في تصريحات تليفزيونية أخيرة، أكد فيها أن الصندوق لديه خريطة بكافة المناطق العشوائية على مستوى الدولة، والتي وصل عددها إلى 351 منطقة غير آمنة، عام 2016، وقت تكليف الرئيس عبدالفتاح السيسي للجهاز بالقضاء على العشوائيات.

ويمكن القول إن وزارة الدولة للتطوير الحضري والعشوائيات التي أنشئت عام 2014 قبل إلغائها لاحقـًا، بذلت جهودًا كبيرة لفهم الوضع القائم في المناطق غير الآمنة، ولكنها جزء محدود فقط من مشكلة الأحياء غير المخططة في مصر.

إن التدقيق في دراسة المناطق العشوائية للوصول إلى جذورها، أو أسباب نشأتها وتطوره- يؤكد أن هذه الظاهرة لم تنشأ فجأة.

أدى عدم الالتزام بالمنشور الوزاري الصادر برقم 28 لسنة 1914، الذي نص على عودة جميع المسطحات الخاصة بالدولة، والتي انتهى الغرض من تخصيصها للمنفعة العامة، إلى مصلحة الأملاك الأميرية وعرضها للتمليك، وهو ما لم يحدث، حيث أدى ذلك إلى تحول بعض تلك المناطق إلى عشوائيات لعدم وجود إشراف، أو حراسة لها بسبب حركة العمران غير المسبوقة التي شهدتها مصر نتيجة الزيادة السكانية، والهجرة الكبيرة من الريف إلى الحضر.

تجدر الإشارة إلى أن معظم مناطق وضع اليد نشأت في البداية بشكل محدود، ثم تدخلت بعد ذلك شركات تقسيم الأراضي والاستثمار العقاري، لبيع هذه المناطق إلى الباحثين عن مسكن، أو قطعة أرض للبناء عليها، سواء من أراضي الدولة أو على الأراضي الزراعية، بعيدًا عن نظر السلطة المركزية، حتى نشأت أحياء سكنية كاملة يقدر سكانها بمئات الألوف أو حتى بالملايين، أنشأوا مساكنهم وخططوها برؤيتهم الذاتية لتتكون تجمعات سكنية عشوائية على هامش مناطق ومدن مخططة.

ويمكن القول إن المناطق العشوائية في مصر لم تقتصر على مناطق وضع اليد فقط، وإنما امتدت لتشمل المناطق السكنية الجديدة على الأراضي الزراعية، أو المناطق السكنية المتدهورة التي كانت في البداية مخططة ومقبولة كنمط إسكان ملائم لحياة البشر، إلا أنه نتيجة للضغط السكاني وزيادة الكثافة السكانية بها، وإهمال جهود التطوير، لها تحولت تدريجيـًا إلى مناطق عشوائية.
كانت البداية الحقيقية لانتشار هذه العشوائيات الكثيفة السكان حينما واجهت مصر أزمات متلاحقة إسكانيـًا مع عزوف أصحاب رؤوس الأموال عن بناء المساكن بسبب القوانين الحكومية بتحديد سقوف إيجارية، ثم انتشار ما يُعرف بظاهرة تملُّك المساكن في أعقاب ذلك.

كما أن بناء السد العالي أدى إلى تزايد الجزر النائية فيما يعرف بطرح النيل، ليجتذب هذا كله تجمعات بشرية للهجرة من أطراف المدن إلى هذه الجزر، ليقيموا عليها بيوتًا وأكواخًا بدائية، خاصة في محافظة القاهرة وحولها في أحياء: الفسطاط وحلوان وإمبابة وعين الصيرة، بل داخل المقابر بمجرى العيون والبساتين أيضًا. امتد ذلك إلى الإسماعيلية وبورسعيد والإسكندرية وأسيوط وغيرها من المدن الجاذبة بالمحافظات المختلفة. وتدهورت أوضاع هذه التجمعات التي كانت في تخطيطها تقوم على معيشة جماعية مشتركة وذات طبيعة متدنية.

تتباين التقديرات في أعداد العشوائيات ما بين مصدر وآخر، ويرجع هذا التفاوت إلى عدم وجود طريقة سليمة للحصر، والاختلاف في تعريف الظاهرة، حيث لا يوجد تعريف موحد متفق عليه بين جميع الجهات التي تعمل في مجال دعم وتطوير العشوائيات.

بعض الجهات في مجال دعم العشوائيات وتطويرها تقوم بحصرها؛ انطلاقًا من أنها المناطق التي يتم فيها البناء دون ترخيص، إلا أن هناك عشوائيات تتوطن في المناطق غير المعدة أصلًا للسكن مثل: المقابر، وأحواش المساجد والأماكن الأثرية.

وفي الوقت الذي تعلن فيه بيانات وزارة الإسكان أن عدد سكان العشوائيات بلغ نحو 8 ملايين مواطن موزعين على 497 منطقة على مستوى الجمهورية، يؤكد تقرير آخر لمركز المعلومات ودعم واتخاذ القرار أن عدد العشوائيات في مصر بلغ نحو 1034 منطقة عشوائية.
من جانبٍ آخر، تقول وزارة التنمية المحلية إن عدد هذه المناطق يصل إلى 1150 منطقة، ويقدرها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء بنحو 1221 منطقة تتوزع على 24 محافظة.
ربما حان الوقت كي نواجه مشكلة العشوائيات بخطط مدروسة، مع إعطاء أولوية للمناطق غير الآمنة، لأنها خطرة على حياة وصحة قاطنيها، فضلًا عن سلامة المجتمع واستقراره.

إعلان