إعلان

100 مليون صحة..100 مليون معلومة

100 مليون صحة..100 مليون معلومة

د. جمال عبد الجواد
09:00 م الجمعة 14 ديسمبر 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

إبحث عن لوجو مصراوي داخل الموقع يومياً خلال شهر رمضان للفوز بجائزة

تسجيل الدخول

برنامج الحكومة لإجراء اختبارات فيروس سي والسمنة وضغط الدم والسكري مجانا لعموم المصريين هو أفضل الخدمات التي قدمتها الحكومة خلال العام الأخير. تقوم المبادرة على إجراء الاختبارات وإحالة الحالات المرضية لمراكز العلاج المناسبة. لو أضفنا إلى ذلك برنامج العلاج المجاني لمرضى فيروس سي، والذي تقدمه الحكومة منذ ثلاثة أعوام، فإننا نكون إزاء نقلة مهمة في الرعاية الصحية التي تقدمها الدولة، وتطور كبير في السياسة الصحية.

مبادرة 100 مليون صحة تستحق التحية، ونتمنى لها التطور والاكتمال نحو سياسة صحية شاملة، فيجد المرضى المحالين لمراكز العلاج رعاية كافية ومعاملة آدمية، ونتطلع لليوم الذي نرى فيه التأمين الصحي الشامل وقد تم تطبيقه على كل المصريين.
مبادرة 100 مليون صحة هي أكبر حملة فحص طبي في تاريخ مصر، وهي أيضا أكبر عملية جمع للمعلومات عن صحة المصريين. المسح الصحي الذي تقوم عليه المبادرة يوفر معلومات طبية أساسية عن أغلب المصريين فوق سن 18 عاما.

في نهاية الحملة سيكون لدينا – لأول مرة - ملفات طبية لعشرات الملايين من المصريين، وسيكون في حوزتنا وصف دقيق للحالة الصحية للمجتمع المصري في بعض جوانبها المهمة.
توافر المعلومات هو الأساس الضروري لسياسة صحية فعالة تقوم على المعرفة الدقيقة لعدد المرضى الحاليين والمحتملين، وتوزيعهم الجغرافي، وعدد الأطباء والممرضات والأسرة اللازمة لهم، وأنواع وكميات الأدوية التي يحتاجونها.

مبادرة 100 مليون صحة تتيح فرصة نادرة لجمع كم هائل من المعلومات، والمشكلة هي افتقارنا إلى نظام يضمن مواصلة جمع وتحديث البيانات الطبية بعد انتهاء المبادرة في نهاية شهر أبريل القادم.
تتولى الآلاف من الجهات تقديم الخدمات الصحية للمصريين، لكن لا يوجد ما يلزم هذه الجهات بجمع المعلومات الطبية وتخزينها بطريقة تسمح بتحولها إلى جزء من قاعدة بيانات طبية وطنية شاملة، يتم استخدامها لمراقبة تطور الحالة الصحية في المجتمع، ولتطوير السياسة الصحية بناء عليها. لقد تحول الكمبيوتر إلى لعبة أطفال موجودة في أغلب البيوت، لكنه مازال أعجوبة غير موجودة في عيادات الأطباء والمستوصفات. العيادات المتطورة التي تستخدم الحاسب الآلي في عملها، تستخدمه كنظام لحجز المواعيد ومتابعة الماليات، لكنها نادرا ما تستخدمه كجزء من نظام متطور لحفظ وتنظيم واستعادة المعلومات الطبية.

الخطوة الأولى في اتجاه تطوير نظام وطني شامل للمعلومات الطبية هي تطوير تطبيق بسيط لجمع وتسجيل معلومات المرضى، وإلزام عيادات الأطباء والمستوصفات والمستشفيات بتثبيت هذا التطبيق على حواسب موجودة لديها، وتغذية التطبيق أولا بأول بالمعلومات التي يتم جمعها، على أن يقوم كل مقدمي الخدمة الطبية بإرسال هذه البيانات دوريا وبانتظام عبر شبكة الإنترنت لهيئة وطنية تتولى جمع البيانات الطبية وتحليلها. الدولة ليست هي الجهة الوحيدة المستفيدة من نظام كهذا. تعميم التطبيق سيضع أمام الطبيب معلومات كاملة عن المريض، فتكون قراراته العلاجية أكثر دقة وأقل عشوائية. تعميم الكمبيوتر في عيادات الأطباء والمستوصفات سينهي إلى الأبد روشتات الأطباء المكتوبة بخط "نكش الفراخ"، وما تتسبب فيه من أخطاء. في جمع وتنظيم البيانات مصلحة مشتركة لجميع الأطراف: الدولة والمرضى والأطباء، وحتى للمستثمرين في تصنيع الدواء وتقديم الخدمات الطبية.
نظام كهذا يمكنه المساعدة على تحسين الرعاية الصحية المقدمة في بلادنا، لكنه قد يثير مخاوف البعض، ويجب مراعاة ذلك. جمع المعلومات يثير مشكلات تتعلق بالخصوصية، ولا بد من كسب ثقة كل الأطراف حتى ننجح في تطبيق نظام فعال لجمع المعلومات الطبية. الحالة الصحية هي مسألة شخصية جدا ويجب التعامل معها بأقصى قدر من السرية. إخفاء هوية المتعاملين مسألة شديدة الأهمية ويجب مراعاتها عند تصميم التطبيق. بعض الأطباء قد يمتنعون عن تقديم معلومات كاملة خوفا من الضرائب. التهرب من الضرائب جريمة، ولكن على مصلحة الضرائب البحث عن المتهربين بعيدا عن السجلات الطبية. تحية لمبادرة 100 مليون صحة التي شجعتنا على أن نحلم بسياسة صحية تقوم على المعلومات والمعرفة والتخطيط والتفكير العلمي.

إعلان