إعلان

" دويلة تركية" في شمال سورية

محمد جمعة

" دويلة تركية" في شمال سورية

محمد جمعة
09:00 م الأربعاء 28 نوفمبر 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

إبحث عن لوجو مصراوي داخل الموقع يومياً خلال شهر رمضان للفوز بجائزة

تسجيل الدخول

منذ عام 2016 وتركيا تسيطر علي أجزاء واسعة من الشمال السوري. ومن خلال عمليتين عسكريتين منفصلتين ضد داعش، ووحدات حماية الشعب الكردي السورية، سيطرت أنقرة على مساحة أكبر على طول الحدود المشتركة مع سوريا، ونصبت وكلاء محليين لها لإدارة تلك المناطق.

التطورات المتسارعة في كل يوم هناك تشير بوضوح إلى أن هذا الاستيلاء على الأراضي السورية يشبه احتلال تركيا لشمال قبرص. بل تؤكد أن ممارسات أنقرة إنما تعكس في واقع الأمر الدروس المستفادة من احتلالها لشمال قبرص، عندما اجتاحت تركيا شمال قبرص في عام 1974 لمنع "تهديد محتمل" من اليونانيين القوميين وللحفاظ على مصالحها الاستراتيجية الخاصة في شرق البحر المتوسط .... ... آنذاك تحركت الحكومة التركية بسرعة فائقة لتنفيذ برنامج من التكامل السياسي والاقتصادي والثقافي مع شمال قبرص. حيث بنت ووفرت الحماية العسكرية لما يسمى بالجمهورية التركية لشمال قبرص. وعززت الاعتماد الاقتصادي من خلال شبكة راسخة من خدمات الاتصالات والبريد، والاستثمارات في مراكز التصنيع المختلفة، وشراكات تصدير حصرية تعتمد على الليرة التركية. كما نقلت بانتظام أصحاب الإثنية التركية إلى شمال قبرص من أجل تخفيف تأثير القبارصة اليونانيين.

الآن من يتابع الإجراءات التركية سوف يلاحظ بوضوح نفس تلك الجهود في شمال سوريا... الآن يمارس محافظو غازي عنتاب وكليس في جنوب تركيا الإشراف المباشر على الحكم في شمال سوريا. بينما تدرب أكاديمية الشرطة التركية، قوة مما يسمي بـ"الشرطة السورية الحرة"، وبالمثل ينظم الجيش التركي مجموعات معارضة تدين بالولاء لأنقرة تحت لافتة "الجيش السوري الحر". ويمكن لهذه المؤسسات أن تتوسع في نهاية المطاف إلى أجزاء أخرى من شمال سوريا بما في ذلك محافظة إدلب.

في ذات الوقت تفرض الحكومة التركية، الاندماج الاقتصادي على أراضيها في شمال سوريا، حيث فرضت الليرة التركية عملةً لتداول جميع الأنشطة الاقتصادية في المنطقة، بما في ذلك دفع الرواتب والتجارة عبر الحدود.

كذلك تستثمر في شبكة طرق سريعة جديدة لتسريع التجارة بين جنوب تركيا وشمال سوريا، إضافة إلى مركز صناعي جديد في منطقة الباب في الشمال السوري. والواضح أن حكومة أردوغان تستخدم هذه الروابط الاقتصادية لتعزيز اقتصادها الذي يعاني من مصاعب وانتكاسات، ولدعم الرئيس أردوغان سياسيًا. على سبيل المثال، شرعن أردوغان دخول الواردات الزراعية من شمال سوريا لتحقيق الاستقرار ولمواجهة ارتفاع أسعار المواد الغذائية قبل الانتخابات العامة التركية في 2018.

أيضا تباشر تركيا حملة موازية على الصعيد الثقافي في شمال سوريا. حيث أضفت الطابع المؤسسي على استخدام اللغة التركية لغةً رسميةً للحكم في شمال سوريا. وأعادت بناء البنية التحتية المحلية في جميع أنحاء المنطقة بناء على نماذجها الخاصة بما في ذلك المستشفيات والجامعات ومكاتب البريد وأبراج الاتصالات الخلوية.

كما تجري تركيا تغييرات كبرى في المعادلة الديموجرافية تنسجم مع تفضيلات أجندتها طويلة الأمد في شمال سوريا... إنها باختصار تعيد توطين النازحين داخلياً، بمن في ذلك مقاتلو المعارضة السابقون في المناطق الخاضعة لسيطرتها على حساب الأكراد السوريين المحليين. كما أنها تحاول تخفيف أعبائها المحلية عن طريق تشجيع عودة اللاجئين من تركيا إلى شمال سوريا. وقد لا تكون هذه العودات طوعية دائمًا.

على الأرجح، تخطط تركيا للحفاظ على وجود استراتيجي طويل المدى لها في شمال سوريا. وبينما تحتفظ هي باحتلالها لشمال قبرص من أجل ممارسة نفوذها عبر البحر المتوسط، فمن المرجح أن أردوغان يرى قيمة جيوسياسية مماثلة في شمال سوريا.

إعلان