إعلان

أشياء مبهجة

أشياء مبهجة

د. جمال عبد الجواد
09:00 م الجمعة 23 نوفمبر 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

إبحث عن لوجو مصراوي داخل الموقع يومياً خلال شهر رمضان للفوز بجائزة

تسجيل الدخول

فرقة الزمن الجميل. سمعت عنهم في برنامج على موجة إذاعة البرنامج العام، فلم أستطع مقاومة الرغبة في مشاهدتهم بنفسي. بحثت عنهم على شبكة الإنترنت، فسعدت بعزف يشع حيوية وبهجة لألحان غناها أم كلثوم وعبد الوهاب وشادية ومحمد فوزي. إنهم مجموعة من الموسيقيين الأصدقاء، الذين عملوا في فرق فنية مختلفة خلال العقود السابقة، بما فيها فرقة أم كلثوم وفرق شهيرة أخرى.

تلتقي المجموعة كل فترة وبشكل دوري للاستمتاع بعزف الموسيقى. الاجتماع يتم في شقة أحدهم، والأرجح أنها أوسع الشقق المتاحة، مع أن الغرفة التي يلتقون بها تسعهم بالكاد. الغرفة التي تجمعهم هي غرفة صغيرة، مرصوص على جدرانها طاقم صالون أسيوطي. دهانات الجدران متقادمة قليلا، ودهانات الشباك المفتوح يظهر عليها الشقوق والتقشير. أنوار الشارع وضوضاء غير زاعقة، من ذلك النوع الذي تسمعه في أي حي متوسط الحال في القاهرة، تأتي من الشباك. المكان كله يدل على شقة أسرة من الطبقة الوسطى المصرية المتوسطة جدا. كل هذا القدر من البهجة يخرج من هذه الغرفة ليؤكد أن طبقتنا الوسطى بخير رغم الضغوط. إنهم بشر سعداء بصحبتهم وفنهم.

المعزوفات التي تلعبها شلة الأصدقاء شائعة، وتلعبها فرق كثيرة أخرى باحتراف وامتياز، لكن الروح المبهجة التي تشع من العزف الحي لمجموعة من الأصدقاء الكبار في السن والموهبة له مذاق فريد يثير المشاعر والإعجاب، ويجعلك تتمنى لو كنت حاضرا معهم.

مقطوعاتهم المنشورة على اليوتيوب حققت مشاهدات بالآلاف. طلبات كثيرة وصلت لناشر الفيديوهات وعازف الجيتار ميشيل كمال لحضور اجتماعات الفريق . طلبات جاءت من الإسكندرية والقاهرة والسعودية والعراق والكويت وبلاد كثيرة أخرى للفوز بحضور جلسة سماع، لكن ضيق المكان لا يسمح. التعليقات الكثيرة التي كتبها المتابعون على اليوتيوب تدل على الأثر الرائع للموسيقى عليهم. "طب ايه ده؟؟ كل ما أقول الدنيا بقت وحشة يطلعولي ناس زيكم يقولولي إن إحنا التاريخ... مش إحنا اللي كتبنا التاريخ ... إحنا التاريخ نفسه ومش حنموت ومش حننتهي... تحية من قلبي لكل من له علاقة بهذا الجمال.." كتب أسامة المهدي من مصر. مستمع من المغرب كتب يقول "والله لو تم لي زيارة مصر لزرتكم قبل الأهرامات، إن جدتم علي بدعوة، حفظ الله مصر وشعبها العظيم الأصيل". مستمع من اليمن كتب يقول "اكتشفت أن المواطن العربي يحتاج موسيقى بليغ حمدي عشان يرتقي لأني لاحظت في التعليقات ولا شتيمة واحدة. أرفع لكم القبعة".
تعليقات القراء والمستمعين تبين الأثر العميق الذي تتركه الموسيقى في النفوس. هذا مشروع جاهز لترقية الذوق العام ومقاومة التطرف. فرقة موسيقية وبرنامج لتعليم الموسيقى في كل مركز شباب ومدرسة وقصر ثقافة. تمويل شراء الآلات الموسيقية من تبرعات محبي الفنون في العالم كله. تنشيط صناعة آلات العزف وصيانتها وخلق فرص عمل جديدة. تنظيم العروض الموسيقية على الرصيف وفي الميادين. إتاحة مساحة لعزف الموسيقى في محطات المترو، على أن تتولى تنظيم ذلك هيئة مختصة من وزارة الثقافة تستمع للمبدعين، وتمنح الجديرين منهم فرصة لتقديم عرض يشهده الآلاف من راكبي المترو العابرين، وربما فاز العازفون ببعض المال تعبيرا عن تقدير المستمعين، كما يحدث في كل بلاد الدنيا.

تحية واعتزاز بلا حدود للموسيقى والفن الجميل. تحية للصداقة التي جمعت شلة الأصدقاء الرائعين حتى ربيع العمر. تحية للجمهور الذي سمع وقدر، ولم يبخل بالتعبير عن مشاعره بتعليقات نشرها، ليؤكد أن الفن الجميل له جمهوره الذي يحبه ويقدره.

إعلان