إعلان

أزمات الإقليم المفتوحة

محمد جمعة

أزمات الإقليم المفتوحة

محمد جمعة
09:00 م الأربعاء 03 أكتوبر 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

إبحث عن لوجو مصراوي داخل الموقع يومياً خلال شهر رمضان للفوز بجائزة

تسجيل الدخول

في أوائل ديسمبر عام 2015 كان لي شرف المساهمة في إحدى الحلقات النقاشية المهمة داخل قاعدة أحد المراكز البحثية المرموقة. وكان الهدف- آنذاك- صياغة تقدير موقف حول وضع الإقليم في العام التالي، أي حتى ديسمبر 2016.

أذكر يومها أن علامات الاندهاش بدت على البعض عندما قلت (ووافقني آخرون) بصيغة قاطعة أن "حالة الاستعصاء" ستستمر في كل أزمات المنطقة، ليس طوال العام 2016 فقط، وإنما ستظل أزمات الإقليم مفتوحة وبعيدة تماما عن سكة الحل أو التسوية حتى العام 2019.. وليس هذا فحسب، بل ربما تمتد حرائق الإقليم إلى ساحات أخرى جديدة!

آنذاك، بدا العام 2019 بعيدا جدا في نظر بعض من شاركوا، واعتبروا ذلك إمعانا مني في التشاؤم.. وكانت وجهة نظرهم أنه لن يأتي العام 2018 إلا وقد حدثت انفراجات كبيرة في بعض الملفات على الأقل.

الآن بعد ما يقرب من ثلاثة أعوام على تلك الحلقة النقاشية يتبين صحة وجهة النظر التي رأيناها.

الآن ونحن قد دخلنا إلى الثلث الأخير من العام 2018 وبتنا على أعتاب العام 2019، نلاحظ أن من بين مختلف الأزمات المشتعلة والمفتوحة في المنطقة لا يبدو أيٌّ منها قد وضِعَ على سكة الحل السياسي.. مختلف الأزمات من ليبيا وسوريا واليمن، مرورا بالعراق ولبنان وإيران، تواجه انسداداً حقيقياً وتعطيلاً لمسارات الانفراج، وإن بأقدار متفاوتة فيما بينها.

*بالتأكيد تبدو الجبهة "الإيرانية- الإسرائيلية" هي الأكثر اشتعالا (خاصة في داخل سوريا) واستتباعا الجبهة "الإيرانية- الأمريكية".

نتنياهو ومن على منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة، توعد بملاحقة إيران وأذرعها، وضربهما في سوريا ولبنان، بل ربما داخل إيران ذاتها. وقد عرض لصور ومعلومات استخبارية تعكس طبيعة الأهداف المحتملة القادمة للآلة العسكرية الإسرائيلية. وبغض النظر عن مدى صحة تلك المعلومات، أو أنها لمجرد البروباجندا، فقد نجح نتنياهو بالفعل في رفع مستوى التوتر والمواجهة مع إيران، إلى مستوى أعلى بكثير.

*أما في سوريا، فعلى الرغم من الانفراجة النسبية التي خيمت فوق محافظة إدلب، بعد التفاهمات التي جرت مؤخرا بين روسيا وتركيا، إلا أن نذر التصعيد لا تزال تتكثف في سماء المنطقة، خاصة مع الشكوك الكبيرة في استمرار قدرة تركيا على الوفاء بالتزاماتها بموجب هذه "التفاهمات".

ناهيك من ميل نظام الأسد وحلفائه للحسم العسكري، وبسط السيطرة على كامل منطقة الشمال السوري وحتى خط الحدود مع تركيا. وعليه فإن "إدلب" لا تزال برميل بارود مرشح للانفجار في أي لحظة.

*في ليبيا، وصلت الأزمة السياسية الممتدة هناك إلى نقطة الانهيار مع اندلاع القتال بين الميليشيات المتنافسة في طرابلس في سبتمبر 2018. وظل المنهج التفاوضي الذي تقوده الأمم المتحدة (طوال سنتين ماضيتين) منقطعًا بسبب مؤسسات غير فاعلة، والتي منعت أي تقدم. ونتيجة لذلك، لم يكن هناك أي أفق لتشكيل قوات أمن نظامية تخضع لسيطرة الحكومة، ناهيك من توحيد المؤسسات الأمنية المنقسمة في ليبيا.

*من ناحية رابعة، يبدو أن منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة قد تحولت، هذا العام، إلى منبر لتحديد المسارات القادمة لحرب السنوات الأربعة في اليمن.. فالرئيس عبد ربه منصور هادى يعلن (لأول مرة) أن الحوار ليس وسيلة لحل الأزمة اليمنية، لأنها لم تنشأ- بحسب قوله- نتيجة لخلافات هنا أو هناك، وإنما ترتبت على "انقلاب إيراني".. وعليه، فالأمر يحتاج إلى جراحة صعبة وذات تكاليف كبيرة، من خلال الحسم العسكري.

*وأخيرا، يبدو المسار الإسرائيلي- الفلسطيني أشد تعقيدا.. فمن ناحية، لا أفق لتسوية سياسية للقضية الفلسطينية، على الرغم من اللهجة الجديدة التي تحدث بها "ترامب" مؤخرا عن حل الدولتين.

فضلا عن أن سلسلة القرارات التي اتخذها ترامب طيلة الشهور الماضية أفضت إلى توتر شديد في العلاقات الفلسطينية- الأمريكية، على النحو الذى لا يسمح لواشنطن باستئناف دور الوسيط، ولا يمكّن الفلسطينيين من الاستمرار في الرهان على عملية سياسية مفرغة من كل مضمون..

ومن ناحية أخرى، يبدو المشهد في قطاع غزة مرشحا للتصعيد، والأرجح أننا سنشهد- ربما حتى قبل نهاية هذا العام- جولة رابعة من القتال بين إسرائيل وحماس، ستخلط الأوراق أكثر فأكثر، وتعمق من بوس المشهد الإنساني في غزة.

باختصار، ونحن في الثلث الأخير من العام 2018 تبدو الصورة في الإقليم ككل أكثر تعقيدا وتشاؤمًا... وتبدو الأزمات المفتوحة في منطقة الشرق الأوسط، كما لو أنها عادت للمربع الأول.

إعلان