إعلان

التفرقة بين الأبناء.. أسبابها ومشاكلها

التفرقة بين الأبناء.. أسبابها ومشاكلها

د. سامر يوسف
06:13 م الإثنين 29 أكتوبر 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

إبحث عن لوجو مصراوي داخل الموقع يومياً خلال شهر رمضان للفوز بجائزة

تسجيل الدخول

هناك أسباب كثيرة قد تتسبب في التفرقة في معاملة الآباء لبعض أبنائهم عن البعض الآخر، ولعل أهمها:

١- اختلاف الجنس: فهناك من الآباء من يفضل الذكور على الإناث لأسباب تتعلق بالمساعدة في الأعمال الشاقة، والعزوة، وحجب الميراث، وخلافه، فيتمادى في الإغداق عليهم والتقتير على أخواتهم من الإناث في المال أو العطايا أو الاهتمام. وعلى الجانب الآخر فهناك من يفضلون الإناث على الذكور فيتمادون في تدليلهن لكونهن بنات ضعيفات رقيقات، وفي المقابل يتعاملون بقسوة مع إخوتهن الذكور حتى ينشأوا رجالاً أشداء في المستقبل، وكأن القسوة هي السبيل الوحيد لضمان ذلك.

٢- اختلاف العمر: فهناك بعض الأسر التي يحتل فيها الابن الأول (البِكري) مكانة متميزة عن باقي إخوته، وعلى الجانب الآخر فهناك أسر يتمتع فيها الابن الأصغر (آخر العنقود) بتلك المكانة المتميزة مادياً وعاطفياً.

٣- الاختلاف في الهبات والمنح الربانية: كتفضيل من يتميزون عن إخوتهم في الذكاء والتحصيل العلمي أو في الجمال في البنات أو في القوة الجسدية في الأولاد، رغم أن كل هذه الصفات هي من تقدير الله سبحانه وتعالى ولا فضل لأحد من الأبناء على أخيه أو أخته في تمتعه بها.

٤- الاختلاف في بر الوالدين: فالقلب قد يلين للولد المطيع المهذب عن الولد العنيد الذي لا ينفذ توجيهات والديه إلا فيما ندر. وهنا فلابد أن تحضرنا قصة النبي يوسف عليه السلام وإخوته العشرة (مع استثناء أخيه الحادي عشر بنيامين)، الذين كانوا يبغضونه بلا ذنب افتراه لأنهم ظنوا وهم مخطئون أن أباهم جميعاً النبي يعقوب عليه السلام كان ظالماً لأنه يفضله عليهم. مع أن الحقيقة أن أباهم كان نبياً معصوماً من الزلل ولا يمكن بحال أن يميز بين أبنائه فيظلمهم، غير أنهم لسوء طباعهم وأفعالهم كانوا أكثر تعرضاً للتوجيه والزجر من ناحيته عن أخيهم يوسف حَسَن الطباع، فاتهموا أباهم بأنه ظالم لهم على غير وجه حق وترسّخ ذلك في وجدانهم.

وقد تتضح هذه التفرقة في المعاملة في عدة صور، فمنها مثلاً:

١- المنح والمنع: كإعطاء مصروف أكبر أو شراء سيارة مثلاً لأحد الأبناء دون الآخر، ودون سبب منطقي (كأن تكون متطلبات دراسة أحدهم أكثر تكلفة من دراسة الآخر مثلاً، أو عدم توافر وسيلة انتقال آمنة لأحدهم إلى كليته مع توافر بديل مناسب للآخر للذهاب إلى كليته).

٢- اللين والقسوة: كالتمادي في تدليل البنت أو آخر العنقود مثلاً، مع القسوة في التعامل مع الأبناء الآخرين.

٣- المدح والذم: كتكرار ذكر محاسن أحد الأبناء تحديداً أمام إخوته أو في التجمعات العائلية، وتجاهل الابن الآخر أو ربما ذكر مساوئه أحياناً أمام أفراد العائلة أو الأصدقاء وربما في حضوره أيضاً.

٤- الاهتمام والإهمال: كالإنصات لأحد الأبناء تحديداً عندما يتناقش أو الاهتمام بسماع وجهة نظره في الأمور اليومية، مع إهمال الابن الآخر وادعاء الانشغال بأي شيء عندما يحاول فتح باب للحوار مع أي من والديه.

ولا يفوتنا هنا التنبيه إلى خطورة المقارنة بين الإخوة في الدراسة ومعايرة أحدهم بتدني مستواه عن الآخر، لما قد يسببه ذلك من ضغائن بين الإخوة.

وقد يظن البعض بالخطأ أن الطفل الأقل تمييزاً فقط هو الذي سيقع عليه الضرر النفسي من هذا التمييز السلبي في معاملة الوالدين له دون الطفل المميز، ولكن الواقع أن كلا الطرفين معرض لآثار نفسية سلبية خطيرة في تكوين شخصيته وقد يستمر تأثيرها عليه طيلة عمره مستقبلاً.

فهذا الطفل المميز سوف ينشأ أنانياً محباً للتملك ولا يتقبل النقد والتوجيه من الآخرين، الأمر الذي سوف يوقعه لا محالة في مشاكل كثيرة عندما يعمل تحت رئاسة من لا يعرفهم، فيشعر بأنهم يضطهدونه عندما ينبهوه لأخطائه أو يحاسبونه عليها. وكذلك لن يستطيع تحمل تبعات الزواج وتربية الأبناء، وسيضيق صدره عند أي مشكلة تواجهها أسرته الصغيرة.

وعلى الجانب الآخر فالطفل الأقل تمييزاً سوف يعاني من مشكلات وعقد نفسية أشد خطورة، والأمثلة على ذلك كثيرة:

١- سوف ينشأ حقوداً وغيوراً وكارهاً لأخيه المميز عنه، بل ومن الممكن أن يتمنى له الضرر أو حتى يحاول أن يتآمر عليه ويسببه له (ولنا هنا أيضاً مثال واضح في إخوة يوسف عليه السلام وتآمرهم عليه).

٢- عدم الثقة في الأسرة وبعد ذلك في المجتمع عامة، حيث إن الأسر هي وحدات تكوين المجتمعات.

٣- تكوين آباء وأمهات غير أسوياء في تعاملهم مع أبنائهم في المستقبل، مما يشكل خطورة مطردة على الأجيال القادمة.

٤- الإصابة بالعقد والأمراض النفسية، فقد يصاب بالانطواء والعزلة والشك المرضي في الآخرين والاكتئاب.

٥- عقوق الوالدين كرد فعل على شعوره المتنامي بعدم عدالتهم وظلمهم له بلا مبرر.

٦- البحث عن الحب والحنان والتفاهم المفقود داخل الأسرة عند الأغراب، مع ما في ذلك من خطورة الوقوع فريسة لأصدقاء السوء أو الأشخاص غير الأسوياء الأكبر منه سناً وخبرة.

وبالتأكيد فإن حل كل هذه المشكلات العويصة يكمن في العدل التام بين الأبناء عاطفياً ومادياً، وحتى لو مال قلب أحد الوالدين تجاه أحد الأبناء تحديداً ودون الآخرين (وذلك أمر ممكن الحدوث ولا سيطرة له عليه) فيجب إخفاء ما في القلب عن الجميع وعدم التحدث بذلك أمام أفراد العائلة أو الأصدقاء مخافة تسربه للأبناء.

وليكن نبراسنا جميعاً حديث معلم البشرية الأعظم رسول الله عليه الصلاة والسلام: "اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم" (رواه البخاري).

إعلان