إعلان

مد الله في أعماركم

مد الله في أعماركم

د. جمال عبد الجواد
09:02 م الجمعة 12 أكتوبر 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

إبحث عن لوجو مصراوي داخل الموقع يومياً خلال شهر رمضان للفوز بجائزة

تسجيل الدخول

كان المتوقع للمصري المولود في عام 2006 أن يعيش حتى يصبح عمره 66.5 عاما إن كان ذكرا، وأكثر قليلا من 69 عاما إن كانت أنثى. أما الذكر المولود في عام 2018 فيتوقعون له أن يعيش حتى يتجاوز عمره 71 عاما، فيما تعيش الأنثى حتى عمر 74 عاما؛ أي أن أعمار المصريين ذكورا وإناثًا أصبحت في المتوسط أطول بحوالي خمسة أعوام عما كانت عليه قبل اثني عشر عاما.

الأعمار بيد الله، وكل يوم بالزيادة أو النقصان في حياتنا هو إرادة ربانية لا راد لها، ولا تعقيب عليها، ولا علم لنا بالحكمة من ورائها. لكننا نعلم أن نقص الطعام يميت الناس، ووفرته تطيل أعمارهم؛ وأن البيئة الملوثة تقصف أعمار الناس، فيما البيئة الطبيعية النقية الطازجة تحسن الصحة وتطيل العمر؛ وأن نقص الرعاية الصحية يجعل الناس عرضة للموت بسبب جرح بسيط أو مرض شائع، فيما توافر الرعاية الصحية وجودتها ينقذ الناس من أمراض مميتة.

الغذاء والبيئة والرعاية الصحية هي العوامل الثلاثة التي تحدد ما إذا كان عمر الإنسان سيطول أو يقصر، وواضح من الإحصائيات أن مصر قد شهدت تحسنا في أثر العوامل الثلاثة مجتمعة. ربما لم تصبح البيئة في مصر أفضل؛ وبالتأكيد ما زال لدينا في مصر الكثير من الفقراء، بل إن أعدادهم قد زادت في سنوات التأزم الاقتصادي الأخيرة عما قبل، وأننا ما زلنا غير راضين عن نظام الرعاية الصحية في بلادنا، إن لم يكن بسبب الإهمال الذي يقتل الناس أحيانا، فبسبب التكلفة الباهظة غير المبررة. لكن رغم كل هذا فإن أعمار المصريين لم تكن لتصبح أكثر طولا لو لم يكن هناك تحسنا في حزمة الغذاء والبيئة والرعاية الصحية مجتمعة.

لدى الناس الآن غذاء أكثر ورعاية صحية أفضل، وهم بالتالي يعيشون أعمارا أطول من أجدادهم، لكنهم ليسوا بالضرورة أكثر سعادة منهم، أو على الأقل فإن هذا هو ما يظنه أغلبنا. هذا هو اللغز الذي نحار في تفسيره: لماذا نشعر بسعادة أقل مع أننا نتمتع بمزايا ووفرة مادية أكثر؟

المشكلة هي أنه ليس لدينا مقياس للسعادة حتى نقيس المستوى الراهن لسعادة المصريين. المقاييس الدولية للسعادة هي خدعة كبيرة لأنها تقيس السعادة بتوافر الرفاهية المادية وليس بقياس مشاعر الناس. المشكلة الأكبر هي أننا لا نستطيع قياس مقدار السعادة الذي تمتع به أجدادنا، وإن كان كبار السن بيننا يحكون لنا كثيرا عن أيام زمان وروعتها في مقابل هموم الحاضر وكآبته. المشكلة هي أنك لا تعرف عندما تسمع الواحد من هؤلاء ما إذا كان يقارن بين الماضي والحاضر، أم أنه يقارن بين حاله في الماضي عندما كان شابا فيه جمال وفتنة وحيوية وقوة، وبين حاله اليوم وهو يستند إلى العكاز، فيما يحرص على حمل حقيبته - أو الكيس البلاستيك الذي يحمل اسم الصيدلية القريبة – لأن فيه أقراص دواء لا يستطيع العيش بدونه.

كلما طالت أعمار الناس، كلما أصبح لدينا المزيد من كبار السن. فبينما مثل المسنين 6.9% من إجمالي سكان مصر في تعداد السكان المنشور عام 2017، فإنه يتوقع لنسبتهم أن تصل إلى 11.5% من السكان بحلول عام 2031. ومع كل زيادة في أعداد المسنين ستكون لدينا فرصة أكبر للاستماع لقصص طريفة عن روعة الماضي وكآبة الحاضر. المشكلة هي أن الامتناع عن الاستماع لحكاوي المسنين عن زمانهم الجميل لن يحسن مشاعرنا إزاء واقعنا الراهن، وليس هو الحل لمشكلة الشعور العام بنقص السعادة، وبأن الأمور ترجع إلى الخلف.

الناس في عالم اليوم أكثر قلقا على الغد، ولديهم شعور أكثر بعدم الأمان، وشعور أعمق بالوحدة؛ والأهم أن لديهم تعريفًا غامضًا ومعاني غائمة للسعادة، وهي معاني غير موجودة على سطح الكوكب. وربما قل شعور الناس بعدم الرضا وزاد شعورهم بالسعادة لو أنهم أصبحوا أكثر واقعية في فهمهم للسعادة وبحثهم عنها، وعندها يصبحون أكثر قدرة على التمتع بأعمارهم التي تزداد طولا.

إعلان