إعلان

شبهات حول ثورات الربيع العربي «2»

دكتور عبدالخالق فاروق

شبهات حول ثورات الربيع العربي «2»

د. عبد الخالق فاروق
09:00 م الجمعة 26 يناير 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

إبحث عن لوجو مصراوي داخل الموقع يومياً خلال شهر رمضان للفوز بجائزة

تسجيل الدخول

لعل من أسوأ وأسخف الأوصاف والتعليقات التي أطلقها أصدقاؤنا في الشام، وخصوصاً هؤلاء المتحالفين مع النظام في سوريا، هو وصف "المؤامرة"، باعتبار تلك الثورات العربية التي شهدتها في أوقات متقاربة كل من مصر وتونس واليمن والبحرين وسوريا وليبيا، مجرد مؤامرة غربية لتفتيت الدول والنظم والجيوش العربية.

وهذا التوصيف بقدر ما يحمل من سخف لفظي، بقدر ما يحمل من تناقضات مذهلة في فكر وعقل أصحابها، وجوهر هذا التناقض يكمن في الوقائع والحقائق التالية:

أولًا: أن هذا الوصف يخلط– بجهل– بين فعل الثورات العربية النبيلة التي شاركت فيها معظم القوى الوطنية والشبابية الحية في تلك المجتمعات الثائرة، والنتائج السلبية التي تمثلت في صعود مد التيار "الإسلاموي"، سواء تمثل في تنظيم الإخوان المسلمين، أو الجماعات السلفية الوهابية والتكفيرية، وخروجها من قمقم الحبس السياسي السابق، وهي التي تحمل أجندات خاصة بها بعيدة تماماً عن هدف التحركات الشعبية الثورية التي شهدتها الساحات العربية في تلك الدول. بل المدهش أن السيد علي خامنئي، المرشد العام للثورة الإيرانية، قد رحب بتلك الثورات في أسابيعها الأولى، ووصفها بأنها امتداد للثورة الإسلامية في إيران، وهو تعبير عن عدم فهم حقيقي لجوهر الأصوليات الإسلاموية في البلدان العربية، التي هي أقرب إلى الفكر الوهابي الرجعي منها للنموذج الإيراني الثوري، بل إن هذه الجماعات الإسلاموية في مصر وتونس واليمن، كانت محافظة في الجوهر والعمق، ولم تكن أبداً ثورية أو تميل إلى هذا الفعل الثوري، ومن ثم كانت أول من خرج من الساحات والميادين، وبدأ التفاوض مع النظام القديم في مصر.

ثانياً: إن هذا الوصف (المؤامرة الغربية)، وهذه النظرة السلبية لثورات الربيع العربي، تخلط بين الفعل النبيل للثورات الشعبية ضد أنظمة حكم خانت القضية المركزية للأمة (فلسطين)، وتحول بعض حكامها إلى كنز استراتيجي لإسرائيل، وبين النتائج التي انتهت إليها هذه الثورات، بالهزيمة وسيطرة أجهزة الدولة القديمة، فالعيب هنا ليس في فعل الثورة الشعبية العادلة والمستحقة منذ زمن طويل، وإنما العيب في ميزان القوى المختل بين هذه القوى الثورية الشبابية من جهة، وأجهزة الدولة القديمة أو الجماعات السلفية المنظمة من جهة أخرى، فلم تتمكن القوى المدنية والديمقراطية الثورية من الاستيلاء على أجهزة الحكم والإدارة، وتشكيل حكومات وطنية تطبق برامجها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي يتوق إليها ملايين الثوار والمنتفضين.

ثالثاً: إن إطلاق وصف "المؤامرة" على هذه الثورات النبيلة، من جانب شخصيات ومنابر إعلامية وصحفية في الشام، محسوبة أو قريبة من المقاومة الإسلامية في لبنان، ومتحالفة مع سوريا في معركتها الشرسة ضد الجماعات الإرهابية الوهابية، يمثل إهانة بالغة لتضحيات مئات الآلاف من الشباب المصريين والعرب الذين شاركوا في تلك الثورات النبيلة– وكاتب هذه السطور واحد منهم– الذين استشهد الآلاف منهم، وأصيب عشرات الآلاف الآخرون. ولعل هنا عودة إلى المعايير المزدوجة، فبينما تصف الحكومات في البحرين ودول الخليج العربية، ثورة الشعب البحريني بأنها مؤامرة إيرانية، فإن أصدقاءنا في لبنان والشام يصفونها– بحق– أنها ثورة شعبية، تحمل مطالب محقة. فكيف يستقيم الأمر أيها الأصدقاء، والحقيقة أن هذه ليست مؤامرة إيرانية، ولا تلك مؤامرة أمريكية أو غربية.

رابعاً: أن هذا الظلم الفادح في وصف ثورات الربيع العربي النبيلة بأنها محض مؤامرة أمريكية أو غربية، يسقط دون وعي حقيقة حالة الفزع والرعب التي انتابت الدوائر الغربية والإسرائيلية المسئولة من هذه الانتفاضات الثورية التي رفعت منذ اللحظة الأولى علم فلسطين في ساحاتها وميادينها، ونظمت محاكمات شعبية ضد بعض تلك النظم العربية، بحيث ظلت هذه الدوائر الغربية تبحث من خلال ورش عمل منظمة في أروقة أجهزة الاستخبارات الأمريكية والبريطانية والفرنسية، والإسرائيلية، وفي وزارات الخارجية، كيف تتمكن من وضع الخطط والسيناريوهات من أجل احتواء هذه الثورات الشعبية وإجهاضها، وتغيير اتجاهاتها المعادية للسياسات الغربية وإسرائيل، التي كانت تتبعها أنظمة الرئيس مبارك في مصر، وزين العابدين بن علي في تونس، ومعمر القذافي في ليبيا، وعلي عبدالله صالح في اليمن، وآل خليفة في البحرين، ولم ترتح هذه الدوائر الغربية إلا بعد بروز دور تنظيم الإخوان المسلمين في معظم تلك الدول، والوصول مع قياداتها إلى اتفاقيات تعاون، وإعلانات سياسية واضحة بأنها سوف تحترم اتفاقيات الاستسلام الموقعة بين بعضها وإسرائيل أو الغرب.

من هنا فإن القول إن هذه الثورات العربية كانت مخططة من جانب الدوائر الغربية، لمجرد وجود تقاطعات بين بعض الاتجاهات الهامشية لشباب تربح من هذه الثورات، هو جهل فادح بديناميات الفعل الثوري في تاريخ الشعوب قاطبة، التي شهدت مثل هذه الظواهر الشاذة والمحدودة الأثر، وإلا لكان علينا أن نصف فلاديمير إليتش لينين بأنه عميل ألماني، لركوبه قطارًا ألمانيًّا للوصول إلى روسيا في فبراير عام 1917 لإشعال الثورة البلشفية، وقلنا نفس الشيء على القائد الإيراني آية الله خميني لركوبة طائرة فرنسية للعودة إلى طهران، وقيادة الفعل الثوري بها، وقلنا نفس الكلام الممجوج على غيرهما من الثوار.

خامساً: إن هذا العبث السياسي والفكري من جانب بعض أصدقائنا في الشام، وتحديداً في لبنان وسوريا والعراق، ينبغي أن يتوقف فوراً، لأنه بقدر ما يحمل إهانة لهذه الشعوب المنتفضة وتضحيات أبنائها، فهو يحبط أي محاولة جديدة لثورات أخرى تستكمل ما لم يكتمل بعد على الساحات العربية، ولا ينبغي أبداً أن يكون مقياسكم للحدث الثوري، من خرم إبرة الحدث السوري، وما جرى فيه من جرائم استغلته قوي هي أبعد ما تكون عن الثورة، سواء من المجموعات الإسلاموية والمرتزقة، أو من يقف خلفهم من دول خليجية على رأسها السعودية وقطر، وبقية الدول الغربية مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا.

إعلان