إعلان

"أشبال الخلافة".. كيف يوظف داعش الأطفال في الإرهاب؟

د. عمار علي حسن

"أشبال الخلافة".. كيف يوظف داعش الأطفال في الإرهاب؟

د. عمار علي حسن
09:16 م الأربعاء 22 نوفمبر 2017

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

لا يتوقف "داعش" عن إنتاج ما يبرهن على أنه تنظيم أشد وأعتى في تطرفه عن سابقيه من التنظيمات والجماعات الإرهابية على مدار تاريخ المسلمين الحديث والمعاصر. وآخر ما أنتجه داعش هو إنشاء ما يسميهم "أشبال الخلافة"، وهم مقاتلون وانتحاريون من الأطفال، في سابقة تاريخية، إذ لم تستغل منظمة إرهابية أو متطرفة من قبل الأطفال على هذا النطاق الواسع، وفي مثل هذه الأعمال، التي تودي بحياتهم.

فوفق ما يقوله "داعش" نفسه فإن 89 صبيًا تتراوح أعمارهم بين 8 و18 عامًا لقوا حتفهم في مواقع قتالية، حتى أغسطس 2016. وأكثر من نصف القتلى سقطوا على أرض العراق، ولكن أغلبهم من السوريين، أما الآخرون فمن اليمن والسعودية وتونس وليبيا. وهناك عدد قليل من بريطانيا وفرنسا وأستراليا ونيجيريا.

وبينما تضاعف عدد الأطفال الذي شاركوا في معارك عام 2015 ثلاث مرات مقارنة بعددهم عام 2014، فإنه بين يناير 2015 ويناير 2016، لقي 39% منهم حتفهم في تفجيرات بسيارات ملغومة و33% في معارك. وكان 60% منهم تتراوح أعمارهم بين 12 و16 عامًا، بينما 6% تتراوح أعمارهم بين 8 و12 عاماً. ونحو 18% من الصبية لقوا حتفهم في هجمات كان موتهم فيها محققًا.

والسؤال الذي يفرض نفسه في هذا المقام هو: لماذا يلجأ "داعش" إلى تجنيد الأطفال؟ وتتوزع الإجابة على عناصر عدة، يمكن ذكرها على النحو التالي:

1 ـ تعويض نقص المقاتلين في ظل امتداد خطوط المواجهة بين التنظيم وبين مناوئيه، أو الراغبين في استئصاله، لمساحات شاسعة، وعلى جبهات مختلفة. وقد زادت هذه الحاجة مع تصاعد التنسيق الدولي الذي يجري إلى مواجهة شاملة للتنظيم، بعد أن استفحل خطره وطال الجميع. لكن يبدو أن هناك ما هو أبعد من التعويض في هذا الخصوص، إذ تشي التدريبات التي تجري لهؤلاء الأطفال أنهم يُعَدُّون بالطريقة نفسها التي يعمل بها المقاتلون من الكبار، الأمر الذي يشكك، ولو قليلًا، في أن داعش قد لجأ إلى الصغار كحل أخير بعد مقتل أغلب محاربيه من الرجال في المعارك الضارية المتتالية.

2 ـ ربط أجيال جديدة بالتنظيم، فأطفال اليوم هم شباب الغد، ويراهن "داعش" عليهم في أن يكونوا مقاتلين مدربين على مستوى رفيع في المستقبل، لاسيما أن حداثة سنهم تعطي قادة التنظيم فرصة قوية لتنشئتهم على أفكاره ومعتقداته الدينية والقتالية وتصوراته ومدركاته.

ويبدو أن عملية الربط تلك تدور بشكل ممنهج، وفي أماكن عدة، سواء داخل المناطق التي يهمين عليها التنظيم، أو حتى خارجها، والدليل مداهمة قوات الأمن التركية خلال حملة ضد تنظيم داعش الإرهابي في حي أولوجانلار بالعاصمة أنقرة لمبنى مؤلف من خمسة طوابق، يعرفه الناس على أنه مكتبة، ويستخدمه التنظيم الإرهابي في تدريب الأطفال. وتبين أن نحو 30 طفلا من بينهم 25 فتاة تتراوح أعمارهم بين 9 و17 عاما يبيتون في شقق هذا المبنى لتلقى التدريبات على يد عناصر من "داعش".

3 ـ يتيح الأطفال للقادة الميدانيين في التنظيم فرصة لتمويه أعدائهم وخداعهم، إذ يسهل استخدام الصغار في بعض العمليات الانتحارية النوعية دون أن يلفتوا الانتباه، ويثيروا الشكوك. وقد لا يستمر هذا التمويه طويلا، فأحيانا يجد الطفل الانتحاري نفسه في حاجة إلى أن يظهر تماما لأعداء "داعش"، وهي مسألة تجسدها ظاهرة "الانغماسيون"، حيث ينخرط الأطفال أو الصبية بكل كيانهم في عملية قتالية خلف خطوط العدو، ويفتحون النار بلا حذر ولا تحسّب، فتكون النتيجة أن يلقوا مصرعهم في النهاية.

4 ـ ربط أسر الأطفال بالتنظيم، فقد انتقل بعض المنتمين له إلى الأرض التي يسيطر عليها التنظيم مع زوجاتهم وأطفالهم. وهناك من تزوجوا بعد وصولهم وأنجبوا أطفالا. ولعل حالة الفرنسيين في صفوف داعش تقدم مثالا ناصعا في هذه الناحية، فهناك 400 طفل فرنسي موجودون في صفوف داعش، ثلثاهم ذهبوا مع الوالدين، والثلث ولدوا هناك، وحين يشبون عن الطوق سيجدون أنفسهم بين الدواعش، لينخرطوا طواعية في صفوفهم.

فبعض هؤلاء الأطفال لا يؤخذون إلى التدريب العسكري عنوة، إنما يتم الاتفاق مع أسرهم على مقابل مادي لقاء انضمامهم إلى ميليشيات داعش، وبذلك فهم في نظر التنظيم وإدراك ذويهم مرتزقة، وهذا مسلك انتهجته التنظيمات المتطرفة من قبل في ميادين قتال عديدة. وبعض الأسر ترسل أطفالها راضية لأنها تعتقد في أن هذا جهاد في سبيل الله.

وفي حال إجبار بعض الأطفال على الانضمام لداعش فإن التنظيم يربط ذويهم عنوة به، ويخضعهم له، الأمر الذي يعيد إلى الأذهان ظاهرة "الرهينة" التي سادت في اليمن قروناً، ولا تزال تمارس إلى يومنا هذا. حيث كان بعض الحكام يأخذون أبناء شيوخ القبائل رهائن ليضمنوا خضوعهم، إذ إن تمردهم معناه ببساطة تعريض حياة أولادهم للخطر. ويشبه هذا أيضا ما كان يفعله العثمانيون في أواخر القرن الرابع عشر الميلادي، حين كان يتم خطف الأطفال، وضمهم إجباريا إلى صفوف الانكشارية، حيث يتلقون مناهج تجعل ولاءهم للدولة، وتدريبات عسكرية على مختلف فنون القتال.

5 ـ يُعطي توظيف صغار السن في العمليات الميدانية فرصة للتنظيم كي يسوق بعض صور ضحايا حروبه من الأطفال في دعايته الرامية إلى تشويه خصومه. وأحيانا يقدم هؤلاء إلى الرأي العام الدولي بوصفهم من المدنيين الذي أسقطهم أعداء داعش. لا يعني هذا بالطبع أن الضحايا المدنيين بالفعل ليس من بينهم أطفال، لكن يتم خلط الأمور على النحو الذي يخدم الدعاية الداعشية، التي ثبتت احترافيتها وفاعليتها على مدار السنوات الفائتة.

6 ـ وعلى خطى الدعاية أيضا، يساعد توظيف "داعش" للأطفال في عمليات التنظيم في حصده نقاطًا إضافية في الحرب النفسية التي يشنها ضد مناوئيه، إذ يقول لهم عبر الصور الملتقطة والمبثوثة لهؤلاء الصغار، وهم يحملون أسلحة من مختلف الأنواع، ويتدربون على عمليات انتحارية، أو حتى يحضروا دروساً تلقينهم بعض تصورات التنظيم وأفكاره، بأن "داعش" متجذرة في الأرض التي يسيطر عليها، وأن مقاتليها يتلاحقون جيلاً وراء جيل.

وأقوى مثل يُضرب في هذا الصدد هو الشريط المصور الذي صدر في 27 أغسطس 2016 عن المكتب الإعلامي التابع لداعش بمدينة الرقة السورية، والذي أظهر خمسة أطفال بزي عسكري كامل يقومون بإطلاق النار على رؤوس خمسة أشخاص قال التنظيم إنهم من الأكراد، في إشارة لوحدات حماية الشعب، التي تقاتل التنظيم في عدد من الجبهات.

وقد حرص التنظيم على أن يقول بشأن المعدومين إن الولايات المتحدة الأمريكية أوعزت إليهم بالتحرك ضد داعش، تحت وعود بإقامة دولة كردية، لكن التنظيم "تصدى لهم واستنزف قواهم وقوى التحالف الذي ساندهم"- حسب تعبيره.

وإذا كانت هذه هي الأسباب أو الدوافع التي تجعل "داعش" توظف الأطفال في عملياته القتالية، بلا ورع ولا رحمة، فماذا عن النتائج المترتبة على استفحال هذه الظاهرة؟.. يمكن ذكر بعض هذه النتائج فيما يلي:

أ ـ الخطر العام المرتبط بتعرض الأطفال لمحن قاسية من هذا النوع، وهي مسألة أُعدت بشأنها أبحاث بكل اللغات والثقافات، في مجال التأثير النفسي للحروب على الأطفال.

وهناك ما يبين قسوة التجربة التي يمر بها أطفال "داعش"، فها هو ضابط عراقي يروي واقعة القبض على طفل انتحاري في كركوك شمال العراق قائلًا: "كان يصرخ ويقول: ابتعدوا عني سأنفجر"، فيما أظهر "فيديو" كيف كان الطفل، الذي تلقى تدريبات لستة أشهر، يرتعش أثناء تفكيك الحزام الناسف عن جسده.

وهناك الطفل أسيد برهو، الذي سلم نفسه للشرطة قبل تنفيذ عملية انتحارية، وكذلك فعل طفل آخر في الفلوجة، فيما هرب طفل أيزيدي من معسكر تدريب لداعش في الموصل، وراح يقول في خوف: "دربونا على أن الذبح يجب أن يتم من أسفل الحنجرة".

وربما لهذه المخاوف فإن نسبة فشل العمليات التي كُلف أطفال بتنفيذها أكبر من مثيلتها التي نفذها بالغون.

ب ـ غسل دماغ صغار بالفكر الداعشي مما يجعلهم يتبنونه كبارًا. ففي فصول تعليمية يتلقى أطفال داعش دروساً حول أنواع الأسلحة، وأصناف الفقه والفكر المتشدد التي يتبناها التنظيم. ويتم تجميعهم ليروا مشاهد قطع رؤوس وإعدامات ينفذها جلادون لا تزيد أعمارهم على 12 عاماً.

في هذه المدارس يُعزل الأطفال عن ذويهم، وتُطلق عليهم كُنى معينة يحملها الكبار عادة على غرار (أبوبكر البغدادي ـ وأبوحمزة المصري ـ وأبومحمد المقدسي) ثم يتم توزيعهم على ثلاثة مستويات من التعليم والتدريب: ديني ينصب بالأساس على عملية الطاعة والجهاد، وعملي وهو بدني قاس، وفيه يتعرفون على أنواع مختلفة من الأسلحة ويتدربون عليها، ونفسي، سواء برفقة "المحتسبين" في الأسواق والشوارع والأماكن العامة، أو من يقيمون الحدود في الساحات.

ويترتب على هذا خلق جيل يحمل أفكار الإرهاب وتدابيره، بما يجعله يشكل خطرًا محتملًا على مختلف الدول، لاسيما إن عادوا إلى بلدانهم الأصلية، مثلما سبق أن جرى مع "الأفغان العرب" قبل ربع قرن.

إعلان