إعلان

قانون لتقديس "التاريخ" في بلد يزعم "تجديد الخطاب الديني"

قانون لتقديس "التاريخ" في بلد يزعم "تجديد الخطاب الديني"

د. عمار علي حسن
09:00 م الأربعاء 15 نوفمبر 2017

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

إبحث عن لوجو مصراوي داخل الموقع يومياً خلال شهر رمضان للفوز بجائزة

تسجيل الدخول

دعوت، مثل كثيرين، إلى رفض مشروع القانون الذي أحاله رئيس البرلمان الدكتور علي عبدالعال، وقدمه النائب عمر حمروش، أمين سر لجنة الشئون الدينية والأوقاف، ويقضي بعقوبة السجن والغرامة المالية على من يهين الرموز والشخصيات التاريخية، لأنه قانون خطير يعزز تقديس بعض الشخصيات التي عاشت في القرون التي خلت، وإقراره يدل على أن كل حديث عن "تجديد الخطاب الديني" محض هزل وهراء كبير.

طَرْح هذا الموضوع من الأساس خطيرٌ وملتبس، فمن يحدد الذين يطلق عليهم وصف "رموز تاريخية"؟ ومن يحدد ما إذا كان تناولهم قولاً أو كتابة هو من قبيل الإهانة أو النقد المباح؟ ولا يمكن الاحتجاج بالطريقة السوقية التي يتعامل بها بعض الناقدين للتاريخ ليكون ذريعة للبرلمان كي يفكر في مثل هذا المشروع المرفوض جملة وتفصيلًا، والذي من شأنه أن يضيِّق حرية التعبير، الضيقة أصلا.

إن التاريخ واقع تقادم عليه الزمن، ولذا يجري عليه ما يجري على الواقع المعيش من خصائص في علاقته بما نتصوره ونتوهَّمه ونحسب أنه المسار الحقيقي، أو الصائب على الأقل. ويضاف إلى هذا أن التاريخ الحاضر بين أيدينا ليس كل ما جرى إنما ما بقي، أو ما تم تدوينه وتسجيله، وهو- في الغالب الأعم- يعبر عن وجهة نظر من انتصروا، سواء كان انتصاراً في حرب، أو في السيطرة على السلطة، أو التمكن الاجتماعي، ولذا يصبح من حق من يعيشون في وقتنا الحاضر ومن يأتون في المستقبل أن يتعاملوا مع هذا التاريخ بوقائعه وشخوصه بوعي نقدي عميق.

ومشكلة البعض منا أنه يعيش في كهف الأيام الغابرة، ويعتبر رموزها وشخصياتها، وما تم تسجيله من تصرفات وقعت فيها، أحد المحددات الرئيسية التي تتحكم في نظرة الكثيرين إلى مشكلات العصر، خاصة أن بعض من استعادوا التراث، أو كتبوه بلغة مفهومة لناس زماننا، تعاملوا مع ما وجدوه في بطون الكتب القديمة باعتباره حقائق. ولذا لم يفعلوا سوى تقديمه بطريقة جديدة، قابلة لقراءة أوسع في أيامنا، فأعطوا ما فيه من أساطير مفعمة بالمجاز، بعض ما جعل الأجيال المعاصرة تتعامل معه على اعتبار أنه هو ما جرى بالفعل، رافضين أي توجه يريد أن يخلِّصه من الاستعارات والإيهام.

إن هناك قلة من المفكرين والباحثين تمكنت من الإحاطة بحجم الاستعارة والمجاز في هذا التراث، ولذا تعاملت معه من منظور نقدي، أشير هنا إلى ما أورده طه حسين في مقدمة كتابه "الشيخان"، حيث قال: "القدماء يقصُّون الأحداث الكبرى التي كانت تجري في أيامهم، كأنهم قد شهدوها ورأوها رأي العين، رغم أننا نقطع بأن أحداً منهم لم يشهدها، وإنما أرَّخوا لهذه الأحداث بأخرة.. وقدماء المؤرخين من العرب لم يعرفوا من أمر هذه الأحداث الكبرى إلا ما تناقله الرواة من العرب والموالي".

معنى هذا أن التاريخ الذي وصل إلينا حافل بالمجاز والاستعارة والأساطير التي علينا أن نراجعها، ولا نقدس الوقائع ولا الشخصيات، بدلاً من أن نحبس من يسعى إلى هذه المراجعة، وينزع عن البشر أي قداسة.

إعلان