إعلان

هل نحن بلد فقير حقا ؟ (8) الموارد البشرية والكثافة السكانية

هل نحن بلد فقير حقا ؟ (8) الموارد البشرية والكثافة السكانية

د. عبد الخالق فاروق
09:00 م الخميس 19 أكتوبر 2017

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

إبحث عن لوجو مصراوي داخل الموقع يومياً خلال شهر رمضان للفوز بجائزة

تسجيل الدخول

يعاني الخطاب الحكومي والرسمي المصري منذ سنوات طويلة، من حالة انفصام وازدواجية ثقافية وسياسية حينما يأتي الحديث حول الموارد البشرية المصرية والكثافة السكانية، ففي حين ينظر إليها أحيانا باعتبارها قوة وثقل للوجود المصري في المحيط العربي والإقليمي والدولي، ويتعامل مع الدول العربية وغير العربية الأقل سكانا (حالة قطر مثلا) بدرجة من الاستخفاف والتواضع، فإنه يعود ليكرر في أكثر من مناسبة، وآخرها نتائج التعداد السكاني الأخير عام 2017 – بأن كثرة السكان يمثل كارثة تلتهم ما يسميه "ثمار التنمية"!

والحقيقة أن الموارد البشرية لم تعد مجرد عنصر فى العملية الإدارية والإنتاجية، بقدر ما أصبحت أصلا من أصول الدولة، سواء كانت إنتاجية أو خدمية، وتتفاوت الدول والمنظمات الإدارية ومنظمات الأعمال في أدائها بسبب تفاوت درجة وكفاءة استخدامها للأصول البشرية، وتوظيفها بالصورة المناسبة بما يتناسب مع مؤهلاتها وخبراتها ودرجة تدريبها، وعندما تنظر المنشأة أو القائمون عليها إلى العناصر البشرية باعتبارهم عبئا على المنشأة أو المنظمة، فلا شك أننا بصدد مشكلة كبرى في سياسات الإدارة ونظم التشغيل، سواء كان ذلك على صعيد المنشأة، أو على الصعيد القومي العام أو القطاع الحكومي.

ويمتلك القطاع الحكومي المصري قدرات بشرية، وخبرات كبيرة في كافة المجالات، برغم سوء إدارة بعضها، أو تواضع النتائج في بعض المنظمات الحكومية هنا أو هناك.

ووفقاً للبيانات المتاحة فإن الجهاز الحكومي المصري يعمل به عام 2011 حوالي 5.5 مليون موظف وعامل وهذا العدد لا يتضمن العاملين بنظام التعاقد أو العمالة المؤقتة المربوطة على مشروعات ممولة، سواء من الموازنة أو من جهات أجنبية، ثم جرى بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير عام 2011، ضم وإلحاق عشرات الآلاف الآخرين إلى جداول الوظائف الحكومية، إرضاء لبعض الفئات، واستجابة لمطالب عشرات الآلاف الذين ظلوا عاملين بنظام التعاقد المؤقت لسنوات طويلة فزاد العدد عام 2017 إلى ما يقارب حوالى 6.5 مليون شخص، بما في ذلك العاملون في الهيئات الاقتصادية، التي يجري تحويلها إلى شركات بصورة تدريجية.

على أية حال، إذا تأملنا بيانات هؤلاء العاملين نجد الآتي :
1-أن الثقل الرئيسي للعاملين بالقطاع الحكومي هم من حاملي الدرجات الجامعية (الوظائف التخصصية) بنسبة (27.7٪) يليها حملة المؤهلات المتوسطة وفوق المتوسطة الفنية بنسبة (21.6٪).

2-وحملة المؤهلات المتوسطة من شاغلي الوظائف المكتبية فنسبتهم (15.8٪) والوظائف الحرفية (5.7٪).

3-أما وظائف الكادر الخاص فهم يشكلون (18.2٪) معظمهم من كادر الشرطة، ثم أعضاء التدريس الجامعي والسلكين الدبلوماسي والقنصلي، وسلك القضاء.

4-وأخيراً فإن غير المؤهلين من شاغلي وظائف الخدمات المعاونة (السعاة والتمرجية .. إلخ) فهم يشكلون حوالي (10.6٪).

ومن ناحية أخرى فإذا توقفنا عند الوزارات التي يعمل بها العدد الأكبر من هؤلاء الموظفين نجدها أربع وزارات هي وزارة التربية والتعليم (حوالي 1.8 مليون موظف)، يليها وزارة الداخلية (حوالي 830 ألف موظف)، ثم وزارة الأوقاف (حوالي 450 ألف موظف)، وأخيرا وزارة الصحة (حوالي 420 ألف موظف)، وهذه الوزارات الأربع تستحوذ على حوالي 60% من إجمالي العاملين بالقطاع الحكومي.

هذه هي ملامح الصورة الأساسية للعمالة والتوظف في القطاع الحكومي، فإذا انتقلنا إلى خصائص التأهيل العلمي يتبين لنا أن حملة المؤهلات فوق الجامعية ( دكتوراه ـ ماجستير ـ دبلوم ) يشكلون ثقلاً هاماً ( أكثر من مائة وخمسين ألف شخص) ، ثم المؤهلات العليا بكافة تخصصاتها ، أما الكوادر العلمية المتخصصة التى تعمل على الحاسبات الإلكترونية بالقطاع الحكومى ، وتمثل أحد الأصول العينية والمادية المتاحة داخل هذا الجهاز فقد زاد عددها من 3891 كادراً علمياً عام 1980م إلى 10784 كادراً علمياً عام 1986 وبحلول عام 1999 كان العدد قد تجاوز 24043 كادراً علمياً ، وبحلول عام 2010 كان هذا العدد قد تجاوز مائتي ألف كادر متخصص فى مجالات التعامل مع الحاسبات الإلكترونية، وفي عام 2017 تجاوز الرقم ربع مليون موظف، هذا بخلاف العاملين في بقية التخصصات بالجهاز الحكومي المصري.

وهنا يثور التساؤل ما هي تكاليف تعليم وتدريب كل هؤلاء على المجتمع والدولة المصرية؟ وما هي التكاليف والعوائد الخاصة بأقرانهم وزملائهم الذين سافروا للعمل بالخارج ؟

فإذا قدرنا تكاليف تعليم هؤلاء وفقا لأسعار الفترة الزمنية من عام 1965 حتى العام 2011 على النحو التالي:

- الوظائف التخصصية (أي حملة المؤهلات العليا) يتراوح بين 50 ألفا إلى 75 ألف جنيه.

- الوظائف الفنية (أي حملة المؤهلات المتوسطة الفنية) يتراوح بين 30 ألفا إلى 50 ألف جنيه.

- الوظائف المكتبية (حملة دبلومات التجارة وما يعادلها) يتراوح بين 30 ألف إلى 40 ألف جنيه.

- موظفو الوظائف الحرفية غير المؤهلين يعادل صفر .

- وظائف الكادرات الخاصة يتراوح بين 50 ألفا إلى 100 ألف جنيه.

- وظائف الخدمات المعاونة ( أي العمال والسعاة ) يعادل تكاليف صفر .

لقد بلغ تكاليف تعليم هؤلاء على الدولة والمجتمع المصري ، حتى عام 2011 ، ما يتراوح بين 186 مليار جنيه إلى 304.5 مليار جنيه ، والبيان التالي يقدم صورة تقديرية حول تكاليف تعليم هؤلاء العاملين:


متوسط تكلفة تعليم العاملين بالوظائف الحكومية على الدولة والمجتمع المصري حتى عام 2006 م

الوظائف التخصصية: أعدادهم 1494063، متوسط تكلفة الفرد الجنيه 50 ألف إلى 75 ألف، إجمالي التكاليف 75 مليار جنيه إلى 112.5 مليار جنيه..
الوظائف الفنية: أعدادهم 1164146 ألف، متوسط تكلفة الفرد بالجنيه 30 إلى 50 ألف، إجمالي التكاليف 36 مليار جنيه إلى 60 مليار جنيه..

الوظائف المكتبية: أعدادهم 889239 ألف، متوسط تكلفة الفرد بالجنيه 30 إلى 40 ألف، إجمالي التكاليف 27 مليار جنيه إلى 36 مليار جنيه.
الوظائف الحرفية: أعدادهم 23717، متوسط تكلفة الفرد بالجنية وإجمالي التكاليف صفر.
وظائف الكادرات الخاصة: أعدادهم 963523 ألف، متوسط تكلفة الفرد بالجنيه 50 إلى 100 ألف، إجمالي التكاليف 48 مليار جنيه إلى 96 مليار جنيه.
وظائف الخدمات المعاونة: 592545، متوسط تكلفة الفرد بالجنية وإجمالي التكاليف صفر.
في النهاية الإجمالي: أعدادهم 5127233، إجمالي التكاليف 186 مليار جنيه إلى 304.5 مليار جنيه.

وإذا أضفنا إليها قيمة تكاليف التدريب واكتساب المهارات، والتي تقدر بحوالي 20.0 مليار جنيه أخرى ، فإن التكاليف الإجمالية لتعليم وتدريب هؤلاء تقارب 200 إلى 320 مليار جنيه.

وتتخذ هذه التكاليف المجتمعية أهميتها، حينما نتأمل سفر ملايين المصريين للعمل في البلدان العربية والأوروبية وبلاد المهجر ، والمقدر عددهم بحوالي 20 مليون مصري ، داروا دورة كاملة لمدة أربعين عاما ، حولوا لمصر أكثر من 200 مليار دولار منذ عام 1974 حتى عام 2016 ، وكل هؤلاء تعلموا فى مصر وتدربوا غالبا في مصر ، وكانوا عونا لمصر وقت الأزمة العاصفة التي مرت بها بعد عام 2011 ، وحتى يومنا الراهن.

والمشكلة الكبرى التي تواجه صانع القرار في بلادنا، هي عدم القدرة على التمييز بين القدرات الكامنة والقائمة في مصر ، وبين طريقة الاستفادة منها وتحقيق الثمار المرجوة، وهي في جوهرها مشكلة قيادة وأزمة إدارة كفء لمواردنا وطاقتنا المتاحة
وبعد هذا يقول البعض إن مصر بلد فقير .. فهل نحن بلد فقير حقا؟

إعلان