إعلان

قبل أن نقول للصحفيين: سعيكم مشكور

قبل أن نقول للصحفيين: سعيكم مشكور

مجدي الحفناوي
09:01 م الأحد 01 أكتوبر 2017

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

إبحث عن لوجو مصراوي داخل الموقع يومياً خلال شهر رمضان للفوز بجائزة

تسجيل الدخول

لن أدفن رأسي مثل النعام في الرمال، وأقول كله تمام وليس بالإمكان أفضل مما كان، فالواقع مؤلم والأرقام صادمة والحقيقة مرة يا أبناء صاحبة الجلالة.. عرش الصحافة في خطر، هذا واقع مسلم به، وأمر لا يجب أن يمر مرور الكرام ونحن نكتفى بالقول "كله تمام يا أفندم". فانتبهوا يرحمكم الله قبل أن تسيروا في جنازة صاحبة الجلالة، وتتقبلوا العزاء وتقرؤوا الفاتحة على روحها.

أذكر في أحد الأيام وكان توزيع المصري اليوم يتجاوز نصف مليون نسخة، أنني كدت أصاب بالاكتئاب رغم أننا كنا نتصدر أرقام التوزيع، ونسبق جميع الصحف الرسمية والحزبية والمستقلة. لم أكن أدري أن يوما ما سيأتي وتدخل صاحبة الجلالة غرفة الإنعاش في حاله ميؤوس منها، دون أن تجد من يحنو عليها ويترفق بها ويرحم ضعفها في زمن البوستات والتويتات والتغريدات.

قلبي يبكي صاحبة الجلالة ويرثي لحالها، ولسان حالي يقول لأبنائها الذين منحتهم الكثير وبخلوا عليها بالقليل "انتبهوا يا سادة، في زمن التعويم لم يعد القارئ يبحث عن كلمات معارضة عنترية أو مقالات تسبح عكس التيار، أو أقلام تبحث عن الإثارة، والتشكيك، وتخوين كل شيء بداية من الرموز حتى القيم والأخلاق.

الحقيقية هي كل ما يريده القارئ الذي أصبح كل ما يتمناه أن يعود لبيته كل يوم ومعه طعام أسرته، وفي الصباح يطالع صحيفة تخبره الحقيقة من خلال أخبار وتقارير ومقالات موضوعية، وليست صحفية تدس له السم في العسل وتخلط الحابل بالنابل، وتصبح الحقيقة مجرد وهم ذهب مع الريح.

الكلمة أمانة، والرجولة موقف، والبطولة شرف، فلماذا تتحول الحقيقة في هذا الزمن إلى مومياء لا تدب فيها حياة؟ والهجوم إلى منصة صواريخ يصوبها البعض إلى الأبرياء أحيانا؟ وهل نقف مكتوفي الأيدي ونحن نرى بعض الصحف تقصف شرفاء، وتهدم عروشا، وتلوث أبرياء دون أن ننتبه إلى أننا شركاء في الجريمة؟

نعم التخوين جريمة، والتشكيك جريمة، وهدم الدولة جريمة، وإذا كان القانون الوضعي لا يعاقب بعض الأفاقين وأصحاب الأجندات المشبوهة والأقلام الملوثة بالسموم، فأين القانون الإنساني؟ أين الشرف.. والضمير.. والرسالة؟

وكيف تحولت إلى سبوبة لكل صاحب مصلحة دون أن يدرك أحد أننا جميعا في سفينة واحدة؟ لن ينقذ المهنة سوى أبنائها ولا ينتظر أحدنا أن يأتي طوق النجاة بقرار من الدولة أو فرمانات من مجالس الإدارات.

فللأسف ذهب حماس أكثر شباب الصحفيين مع الريح بعد أن تحولوا إلى أفندية يكتفون بالجلوس على مكاتبهم وفتح إيميلاتهم لتلقى البيانات والنوم

في العسل، في الوقت الذى ينتظر فيه القارئ منهم الإحساس بهمومه.

ونقل متاعبه.. الصحفي يا سادة ليست مهمته أن يكون "باشكاتب" لدى هذه الجهة أو تلك، بل مهنته أن يكون همزة الوصل التي تعبر عن أهله وناسه في الحي والمدينة والنجع والحارة.

نحتاج إلى ثورة تعيد لصاحبه الجلالة مجدها، وإلى الصحف هيبتها من أجل قارئ واع. الصحافة ليست وصية على القارئ، وليست مجرد أقلام وأحبار، فما أحوجنا إلى وضع خارطة طريق تنقذ ما تبقى للصحافة الورقية من كبرياء هل من عين ترى وأذن تسمع؟ هل من مجيب؟
للأسف صارت جميع الصحف إلا ما رحم ربي إلى "سكه الندامة"، باتت مثل منشورات صفراء تشبه بعضها البعض، ولا يفرق بينها سوى اسم الصحيفة، وتحول أغلب الصحفيين لموظفين درجة ثانية كل ما يهمهم هو التواجد بالاسم على الصفحات، بعد أن منحوا المهنية أجازة اعتيادية، ومنحوا القارئ صابونة و"باعوا له الفنكوش".

ما أحوجنا إلى فتح صفحة جديدة مع أنفسنا ليفتحها الله علينا، ونستعيد ما فقدناه من رصيد لدى القارئ الذي مازال الأمل يراوده في أن يجد من يشعر به ويدافع عنه ويقف الى جواره. نحتاج إلى قليل من الصبر، وكثير من الضمير، قبل أن نولول على المرحومة المصداقية، ونبكي على العزيزة الحيادية، ويأخذ القاري كتفا قانونيا ثم يرفع لنا الكارت الأحمر.

وللأمل وحتى تستمر الحياة، نحتاج أفكارا متمردة على الواقع ودماء جديدة تحرك السكون وشبابا يحطم الروتين ليبني وطنا أجمل ما فيه أن اليأس لا يعرف طريقا إلى قلبه، فالغد مشرق طالما ظلت هناك قلوب تخفق بحب الوطن وكلمات تنبض بالصدق. واستغفر الله لي ولكل من أساء لهذا الوطن ولمهنة الصحافة التي وجدت لتكون سيف المظلوم، ونبض الضعيف، ولسان الأبكم، وحجه الحق في وجه الفساد، وتقولون الصحافة ماتت لا والله بل نحن الأموات.

** المدير العام للطباعة والتوزيع بـ"المصري اليوم".

إعلان