إعلان

مصيدة العم كوهين..!

مصيدة العم كوهين..!

03:15 ص الجمعة 10 يوليو 2015

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم - محمد أحمد فؤاد:
سقوط فريسة في خيوط صياد يحقق لديه قمة النشوة، وحينها تنتابه حالة من الرضا والطمأنينة تظل تلازمه حتى يباغته الجوع فيشرع في البحث عن أخرى..! لكن ما بالنا بصياد عجوز مخادع استطاع بخيوط نسجها من تآمر ومكر وخبث إسقاط عشرات الفرائس دون أي عناء.. وهو الذي لم يضطر يوماً لرتق خيوطه التي طالما أطلقها في جميع الاتجاهات من فرط إحساسه بالدونية، وشعوره المزمن بالخوف والارتعاب..!؟

تلك المقدمة الرمزية تشير لأمر واقع أظنه لسان حال الكيان الصهيوني المحتل، الذي يعيش حالياً أزهى عصور النشوة وهو يتابع سقطات من حوله من دول المواجهة (سابقاً) الواحدة تلو الأخرى.. العرب بالفعل مشتتون، رفاق الأمس صاروا فرقاء اليوم، ونسوا لغة الاتحاد ونعرات الوحدة التي جمعتهم يوماً، ولم تعد لديهم القدرة على مجرد التلويح بتهديد أو وعيد، بل أكثر من ذلك.. فهم يقومون بتصفية أحدهم الأخر بتتابع مدهش، وبأقل تكاليف قد يتكبدها عدوهم الأول، نتائج ربما لم تطرأ على مُخيلة حكماء صهيون الأوائل الذين قادوا تلك الحركة العنصرية في بداياتها منذ أن أطلق الصحافي النمساوي ناتان بارنباوم مصطلح الصهيونية لأول مرة في أواخر القرن التاسع عشر..

علمتنا الأقدار ألا نأمن لكل ما له صلة بالصهاينة اليهود واليهودية في العموم، وبعيداً عن الخوض في ثنايا المعتقد الديني، ربما جاء هذا الشعور كنتاج لما حفل به الموروث الشعبي من أخطاء ومبالغات ومغالطات تاريخية أسهمت في أمرين كلاهما مُر.. الأول هو الافراط في الخوف من كل ما هو يهودي وتضخيم قدراته بلا سند مقنع، والثاني هو استسهال توجيه تهمة العمالة والخيانة المعدة سلفاً لكل من يحاول البحث عن صيغ أفضل لمعالجة هذا العداء التاريخي حتى وإن تفادى تقديم أي تنازلات..!

كما أشرت، لست هنا لأخوض في أمور ذات أبعاد دينية أو تاريخية قُتلت بحثاً، لكن ما يعنيني بالأخص هو مسألة الأمن القومي المصري، حيث أن ما نحن بصدده أخطر بمراحل من أن يُترك لتحليلات هواة الشهرة والأضواء، أو للمعالجات الدرامية الركيكة والمبتذلة.. نحن هنا بصدد مؤامرة محبوكة الخيوط تلقي بظلالها على خريطة مصر، تحديداً الركن الشمالي الشرقي من شبه جزيرة سيناء.. كفانا من الوهم والوجل المقترن بالعدو الداخلي فقط، ودعونا ننظر أبعد قليلاً لنتعرف على مصدر الخطر الحقيقي قبل التسرع في التفنيد أو وصف علاج خاطئ.. سأقوم هنا بعرض مبسط لبعض المعلومات ولنسميها مجازاً خيوطاً، ربما بعدها تتضح ملامح الشبكة العنكبوتية التي يتم نسجها حولنا بمكر متناهي لإحداث أكبر فتنة في تاريخنا الحديث..

القوات المسلحة المصرية هي شوكة في حلق قوى الاستعمار، فعقيدة جيش مصر هي الحفاظ على أمن الوطن وسلامة أراضيه، وأن الكيان الصهيوني هو العدو الأول لمصر..
نشرت مجلة كيفونيم الإسرائيلية عام 1982 دراسة بعنوان الخطة الصهيونية للشرق الأوسط كتبها عوديد ينون وأوضح فيها أن استراتيجية تفتيت العالم العربي لا تتحقق إلا بإضعاف مصر..

تشاك هاجل وزير الدفاع الأمريكي السابق قال أثناء زيارته لمصر عام 2011 أن على الجيش المصري تغيير عقيدته لتكون محاربة الإرهاب وإلا فقطع المعونات العسكرية الأمريكية..
نتانياهو قال أمام الكونجرس في مايو 2011 أن حل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين يجب أن يكون على أي أرض خارج حدود إسرائيل، وعينه كانت وماتزال على سيناء..
نواب الكونجرس يضغطون ويؤيدون ربط المعونات العسكرية لمصر بضرورة ارتكاز عمل الجيش المصري على مكافحة الإرهاب..

الولايات المتحدة ضحت بحلفاء لها ذوي ثقل سياسي حيث أن مصالحها الاستعمارية فوق الجميع بمن فيهم قادة خدموا توجهاتها طويلاً وعلى عكس بوصلة مصالح بلادهم..
إسرائيل هي ذراع الاحتلال الأمريكي الرسمي في الشرق الأوسط وظهيرها الداعم في الداخل الأمريكي هو دوائر المال صانعة القرار..

مشاريع الولايات المتحدة الاستعمارية تستلزم تحالفات مؤقتة مع خصوم دائمين، وقد تبدو غير منطقية للبعض لكنها غالباً ما تحسم النهايات للصالح الأمريكي فقط..
العرب لا يمثلون للولايات المتحدة أي أهمية أكثر من النفط وخطوط تحريكه وشبكة طرق التجارة العالمية التي تقع في نطاق سيطرتهم..

الحرب الباردة تعاود الاشتعال من جديد وجذوتها تحرق فقط أخضر المنطقة العربية ويابسها لصالح التقسيم الجديد لدوائر نفوذ الاستعمار..

أمريكا أسقطت حكومة محمد مصدق المنتخبة شرعياً في إيران عام 1953 حين استشعرت اقتراب السوفيت من منطقة نفوذها واعترفت بهذا لاحقاً بوقاحة تُحسد عليها..
أمريكا نفسها إعترضت بفجاجة على المطلب الشعبي الكاسح لإسقاط حكومة الإخوان حين شعرت بإحتمالية خروج مصر من عباءة هيمنتها..

مشروع جونسون لتوطين اللاجئين الفلسطينيين أو تعويضهم فشل حين كان قطاع غزة تحت الإدارة المصرية في خمسينات القرن الماضي بسبب رفض الكتائب الفلسطينية..
الكنيست الإسرائيلي يقرر في نوفمبر 1961 استحالة عودة اللاجئين، وجولدا مائير تقول أن الحل الأمثل هو توطينهم في البلاد المضيفة..

سامي تورجمان قائد الحرب على غزة ومسئول المنطقة الجنوبية في جيش دولة الاحتلال يقول أن مصلحة إسرائيل في وجود حماس، وأن بقاؤها ضرورة..

دخول عصابات الإرهاب لسيناء وعمليات تهريب السلاح حدثت في فترة حكم الإخوان المسلمين وبإعترافهم، وكانت على مرئى ومسمع من إسرائيل وحماس وأمريكا..
حماس تنتظر تطور نوعي في علاقتها مع إسرائيل بتمويل ورعاية قطرية، ما قد يبوح بهدنة طويلة تلتفت فيها حماس لصراعها الداخلي مع قيادات السلطة الفلسطينية..

نتانياهو يقول: سنتخذ إجراءات للتصدي لداعش، وقائد المنطقة الجنوبية لجيش الاحتلال يغازل مصر في مداخلة مشبوهة مع قناة الجزيرة التحريضية..
حماس تعلن فجأة أنها تتلقى تهديدات من داعش وأن المواجهة مع خلاياهم باتت وشيكة داخل قطاع غزة..

هجمات مركزة من جماعات الإرهاب على نقاط تفتيش وأكمنة بالشيخ زويد ورفح، والجيش المصري يرد بقوة وبطش ويصفي في ساعات قليلة عشرات الإرهابيين ويدك مقارهم..
الولايات المتحدة تعلن مساندتها لمصر في حربها ضد الإرهاب، وفي نفس الوقت تعرب الإدارة الأمريكية عن قلقها تجاه محاكمة شخصيات ضالعة في رعايته وتمويله..

في الموروث الشعبي اعتدنا على إطلاق إسم كوهين على كل من يبدي ذكاء مقترن بالخبث والمكر.. وبالرغم مما يعكسه ذلك من روح سخرية متأصله لدينا، فأنني مازلت أظنه ليس دليلاً كافياً للتأكيد على اقتران الذكاء دائماً بسلوك الصهاينة، ربما يكون توصيفي لما لديهم حقاً أنه مزيج من الخبث والحرص اكتسبوه وطوروه من خلال شعورهم بالنقص والدونية طوال حياة عزلة اختيارية معقدة حفلت بالتنقل والترحال على مر العصور.. لهذا كان شعار الصهيونية كحركة سياسية منذ انطلاقها هو "دع كل التيارات تعمل" وهذا هو ما جعلهم يحرصون على متابعة تفاصيل التفاصيل، والتدقيق فيها ثم تحليلها وتفنيدها، الأمر الذي يمكنهم من تحقيق السبق الدفاعي أو في بث الفتن بنجاح في أغلب الأحيان..!

الموقف الحالي للأزمات العربية لا يحتمل استبعاد الشبهة عن تحركات صهيونية تسعى لإحداث ثغرات في الموقف العربي وتقويض أي جهود قد تُبذل لتحقيق وحدة القرار لدى العرب.. الصهاينة يتقنون توظيف العملاء، وذراعهم في مجلس التعاون الخليجي هو قطر، وذراعهم في الشام هو الميليشيات والأقليات، ولديهم عملاء منتشرين داخل جميع أنظمة الحكم العربية في شكل خبراء أو منظمات..

مصيدة العم كوهين شديدة التعقيد، ولها باع طويل في القدرة على تلوين المشهد السياسي بما يتفق ومخططات الاستعمار، وكذا التحكم في الأحداث عن بعد دون التورط في تدخل مباشر، فهل سنستطيع نحن أصحاب القضية والأرض والدم مجرد فضحها أو تعطيلها يوماً ما..؟

المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر مصراوي.

إعلان

إعلان

إعلان