إعلان

"ثمن الإصلاح".. لماذا قفزت فوائد الديون إلى أكثر من الضعف في 4 سنوات؟

02:28 م الثلاثاء 16 أبريل 2019

فوائد الديون

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتب- مصطفى عيد:

تصميم- أحمد كامل ومايكل عادل:

أظهرت بيانات مشروع موازنة العام المالي المقبل، ارتفاع مخصصات فوائد الديون التي ستدفعها الحكومة بنسبة 133.6% مقارنة بما كانت عليه في العام الذي سبق تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي بالتعاون مع صندوق النقد الدولي.

ووفقا للبيان المالي التمهيدي لمشروع موازنة 2019-2020، تتوقع الحكومة أن تصل مخصصات الفوائد في العام المقبل إلى 569.1 مليار جنيه مقابل 243.6 مليار جنيه أنفقتها فعليا لدفع الفوائد في عام 2015-2016.

وبحسب بيانات وزارة المالية، تستحوذ فوائد الديون على أكثر من ثلث مصروفات الموازنة العامة في العام المقبل (36.1%)، وهو ما يعادل تقريبا مجموع مخصصات 3 أبواب من الموازنة وهي الأجور والاستثمارات وشراء السلع والخدمات.

وترى الحكومة أن القروض التي حصلت عليها كانت ضرورية من أجل تمويل العجز وتوفير سيولة بالعملة الأجنبية لمواجهة نقص الدولار الذي عانت منه البلاد قبل تعويم الجنيه في نوفمبر 2016، كما أنها أعدت خطة لخفض معدلات الدين ووضعت حدا أقصى للاقتراض.

وكانت الحكومة توصلت لاتفاق مع صندوق النقد الدولي في أغسطس 2016 على تنفيذ برنامج للإصلاح الاقتصادي لمدة 3 سنوات، على أن يمول الصندوق تنفيذ البرنامج بقيمة 12 مليار دولار موزعة على 6 شرائح على مدار السنوات الثلاث.

وكان من ضمن أهداف البرنامج إصلاح هيكل المالية العامة، والسيطرة على عجز الموازنة العامة، وضبط معدلات الدين العام، وخفضها، وهو ما تعتبر معه زيادة الفوائد عائقا في هذه الحالة.

ولجأت وزارة المالية إلى مؤشر "الفائض أو العجز الأولى" والذي يقيس الفارق بين الإيرادات والمصروفات، بعد استبعاد الفوائد، من أجل إبراز أثر الإصلاحات المالية على الموازنة، في ظل صعوبة السيطرة حاليا على الفوائد.

لماذا قفزت مخصصات الفوائد في سنوات الإصلاح؟

تعود قفزة مخصصات الفوائد خلال السنوات الأربعة الأخيرة انتهاء بالعام المالي المقبل إلى 3 أسباب رئيسية، الأول تسارع الاقتراض الحكومي خلال السنوات الأربع الماضية، سواء عن طريق دول ومؤسسات أجنبية، أو الاقتراض من السوق المحلي (البنوك والشركات).

وثاني هذه الأسباب الارتفاع الكبير في أسعار الفائدة بعد تعويم الجنيه، والسبب الثالث هو التراجع الحاد في قيمة الجنيه بعد التعويم وانعكاسه على الفوائد المدفوعة على الدين الخارجي عند تقييمها بالعملة المحلية.

وقفز الدين الخارجي بشكل ملحوظ خلال الفترة من يونيو 2016 إلى سبتمبر 2018، بحسب آخر البيانات الرسمية المتاحة، بنسبة 66.8% ليسجل في نهاية الفترة نحو 93.1 مليار دولار.

كما ارتفع الدين المحلي أيضا بنحو 48.3% خلال نفس الفترة، ليصل بنهاية سبتمبر الماضي إلى نحو 3.9 تريليون جنيه.

وبحسب بيانات تقرير المراجعة الرابعة لصندوق النقد الدولي، من المتوقع أن يصل مجموع ديون أجهزة الموازنة إلى نحو 5.6 تريليون جنيه في نهاية العام المالي المقبل مقابل نحو 4.9 تريليون جنيه متوقعة بنهاية العام الجاري، وهو ما قد يزيد في حالة أي صدمة يتلقاها الاقتصاد خاصة إذا رفع البنك المركزي الأمريكي أسعار الفائدة.

وكان البنك المركزي رفع أسعار الفائدة 7% على 3 مرات متتالية منذ تعويم الجنيه في الثالث من نوفمبر الماضي وحتى الرابع من يوليو 2017، لتقترب أسعار الإقراض من سقف الـ 20%، وذلك من أجل السيطرة على التضخم من ناحية، ومن أجل إغراء المقرضين.

واستمرت أسعار الفائدة على أدوات الدين عند معدل مرتفع في حدود 18% متوسط متوقع للعام المالي الجاري، بحسب بيانات البيان المالي التمهيدي، رغم انخفاض معدل التضخم بشكل ملحوظ إلى متوسط متوقع 15.8% في العام الجاري مقابل 20.9% العام الماضي بحسب بيانات تقرير صندوق النقد.

وبحسب البيان المالي التمهيدي، كان متوسط سعر الفائدة على الأذون والسندات الحكومية خلال السنوات الثلاث الأخيرة يدور بين 18 و18.5%، ولكن وزارة المالية تتوقع أن يتراجع هذا المعدل إلى 15.5% خلال العام المالي المقبل.

وحذرت وزارة المالية في البيان التمهيدي، من أن دولا كثيرة قد تتجه إلى تبني سياسات نقدية متشددة لخفض معدلات التضخم على سبيل المثال السياسة النقدية التي تقوم بها الإدارة الأمريكية بتقليل حجم التمويل الخارجي وهو ما قد يترتب عليه عدد من الآثار السلبية مثل رفع أسعار الفائدة المحلية بنحو 50 إلى 100 نقطة مئوية وبالتالي زيادة تكلفة الدين.

وأضافت أنه إذا زاد متوسط أسعار الفائدة 1% خلال العام المقبل سوف يؤدي ذلك إلى زيادة فاتورة خدمة دين أجهزة الموازنة بين 8 و10 مليارات جنيه.

بالإضافة إلى العوامل السابقة، ساهم قرار البنك المركزي بتحرير سعر الصرف في تراجع قيمة الجنيه أمام الدولار بنحو النصف تقريبا، وبالتالي زيادة قيمة الفوائد المدفوعة عن الدين الخارجي عند تقييمها بالجنيه، حيث أنه مقابل كل دولار تلتزم مصر بسداده إلى الخارج صار عليها توفير حوالي 17 جنيها بدلا من 9 جنيهات قبل التعويم.

وبحسب البيانات المتوفرة، ارتفعت مخصصات فوائد الدين الخارجي بموازنة العام المالي الجاري إلى نحو 31.4 مليار جنيه مقابل نحو 5.1 مليار جنيه في عام 2015-2016. أي ستة أضعاف ما كانت تدفعه الحكومة سابقا.

كيف يؤثر ارتفاع فاتورة الفوائد على المواطن؟

تؤدي زيادة قيمة ما تدفعه الحكومة كفائدة عن الدين في كل عام، إلى زيادة عجز الحكومة عن تمويل الموازنة، فتضطر للاقتراض من أجل تغطية مصروفاتها، كما تضطر إلى تقليص الإنفاق على القطاعات التي لها علاقة مباشرة بالمواطنين، والتي تحتاج لزيادة الإنفاق عليها من أجل تحسين حياة المواطنين وحصولهم على خدمة أفضل.

على سبيل المثال، كان يمكن للحكومة أن تستفيد بالزيادة في مخصصات الفوائد للعام المقبل مقارنة بما دفعته في 2015-2016، في الإنفاق على مجالات مثل الصحة والتعليم، حيث تعادل هذه الزيادة- والبالغة 325.5 مليار جنيه- أكثر من 1.8 مرة مجموع ما خصصته الحكومة لكل من الإنفاق على الصحة والتعليم مجتمعين بموازنة العام الجاري.

وقالت عالية المهدي الأستاذة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، لمصراوي، إن زيادة مخصصات الفوائد وارتفاع حصتها من الإنفاق العام يخفض النسبة المتبقية لأبواب الموازنة الأخرى مثل الأجور، والدعم، والاستثمارات، "الموازنة عبارة عن 100%. كل ما بند كبر البنود الأخرى تتقلص حتى تتيح له مكان".

ويعتقد محمد فؤاد عضو لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، أنه في إطار التزام الحكومة بتحقيق عجز موازنة 7.2% من الناتج المحلي الإجمالي خلال العام المقبل، فإن ارتفاع مخصصات الفوائد يؤثر على الإنفاق على بنود الموازنة الأخرى.

وبحسب دراسة تحت عنوان "عين على الدين" للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، فإن زيادة الفوائد تصب في مصلحة الأغنياء الذين يقرضون الحكومة في حالة العجز خاصة مع ارتفاع أسعار الفوائد، وهو ما يؤدي إلى تعميق اللامساواة في الثروة وفي الدخل.

وفي المقابل، هناك أوجه أخرى للإنفاق الحكومي لم تتأثر بفاتورة الفوائد الباهظة، كما يرى ياسر عمر وكيل لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، وعلى رأسها الاستثمارات الحكومية، مشيرا إلى أن مخصصات الاستثمار في الموازنة الجديدة والبالغة نحو 211 مليار جنيه تعتبر ضعف ما كانت عليه منذ عامين (109 مليارات جنيه في 2016-2017).

وتتمثل مخصصات الاستثمارات في الأموال التي تنفقها الحكومة في مشروعات البنية التحتية مثل شراء المباني السكنية وغير السكنية، والأراضي والآلات والمعدات، وأبحاث ودراسات المشروعات الاستثمارية، ومشروعات الإسكان والتشييد، وتطوير العشوائيات، والمياه والصرف الصحي.

ورغم أن ياسر عمر يرى أن الـ 569 مليار جنيه مبلغا كبيرا كمخصص للفوائد، فإنه يعتقد أن الحكومة كانت مضطرة للاقتراض خلال الأعوام الأخيرة من أجل سد عجز الموازنة، بحسب ما قال لمصراوي.

وقالت عالية المهدي إن الحكومة كانت مضطرة للاقتراض في السنوات الأخيرة "ولكن ليس بهذا الكم الذي حدث، فالدول كلها تلجأ للاقتراض ولكن لابد دائما من وجود قيد على القروض لأن ذلك سيمثل عبئا على الموازنة العامة لأي دولة".

وأضافت "نأمل أن تعيد الدولة النظر في سياسة الاقتراض والتقليل منه لكي تستطيع خفض الأهمية النسبية لهذا البند في الموازنة".

وتقول الحكومة إنها تنفذ حاليا استراتيجية لضبط الدين العام تستهدف من خلالها أن تصل نسبة الدين من الناتج المحلي إلى 89.2% بنهاية العام المالي المقبل، ليواصل التراجع- في حال تحقيق المستهدف- للعام الثالث على التوالي من أعلى مستوى سجله عند 108%.

وتوقع ياسر عمر مع وجود موارد حقيقية للإيرادات عبر الاكتفاء الذاتي من الغاز الطبيعي والاتجاه لتصديره في 2019، ومع تحقيق فائض أولي بالموازنة سيبدأ تأثير الفوائد المرتفعة على الموازنة في التراجع تدريجيا، وهو ما سيحدث تزامنا مع اتجاه البنك المركزي لخفض أسعار الفائدة وبالتالي تكلفة الاقتراض.

مؤشران جيدان ولكن

تأمل الحكومة أن تخفض معدل نمو فاتورة الفوائد إلى 6.7%، وهو أقل معدل نمو بين السنوات الأربعة الأخيرة على الأقل، وهي السنوات المرتبطة بالإصلاح الاقتصادي.

كما تعتزم الحكومة تخفيض الفوائد كنسبة من إجمالي المصروفات الحكومية بمشروع الموازنة الجديدة إلى 36.1% مقابل 38% متوقعة في العام الجاري، وهو الأول من نوعه أيضا في سنوات الإصلاح الأخيرة، ولكنه تراجع طفيف في ظل استمرار الفوائد في التهام أكثر من ثلث المصروفات.

ولم تعلن الحكومة حتى الآن عن حجم الاستخدامات، أي إجمالي الموازنة والتي يمكن مقارنة الفوائد بها كنسبة، والتي تتضمن أيضا إلى جانب المصروفات المعلنة، مخصصات سداد الديون، وبالتالي لم يتمكن مصراوي من رصد قيمة خدمة الدين ونسبتها من مجموع الانفاق الحكومي في العام المقبل.

فيديو قد يعجبك: