إعلان

كيف تصنع إيران أدوات مواجهتها مع الولايات المتحدة؟

11:08 ص الخميس 09 مايو 2019

زادت الضغوطات الأمريكية على إيران مؤخراً وشملت كل

إبحث عن لوجو مصراوي داخل الموقع يومياً خلال شهر رمضان للفوز بجائزة

تسجيل الدخول

لندن (بي بي سي)

يختنق الشارع الممتد من ساحة تجريش شمالي طهران إلى جسر بارك واي بالسيارات في الساعات التي تلي موعد الإفطار. لا يشبه المشهد الذي يتكرر في أكثر من ميدان في العاصمة الإيرانية حالة التوتر التي تحيط بالبلاد مع احتدام المواجهة مع الولايات المتحدة في أعقاب الإجراءات المتتالية التي تتخذها لتغيير ما تصفه بالسلوك الإيراني في المنطقة.

تدهور العملة

تزداد سطوة العقوبات تدريجيا مع شمولها كل خطوط الحياة، من النفط إلى المبادلات المصرفية، لتلقي بظلالها على الأدوية الخاصة بأمراض خطيرة كالسرطان وسعر العملة الذي عاد ليتدهور بشكل مضطرد.

هذه الساحات المكتظة بعد الإفطار، هي نفسها التي امتلأت منتصف إحدى ليالي يوليو 2015 بالمحتفلين بإنجاز الاتفاق النووي بين إيران ودول 5+1 التي كانت على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية.

لا يشبه الوجه المبتسم للرئيس الإيراني، حسن روحاني، صباح الإعلان عن الاتفاق النووي وجهه المتجهم صباح الثامن من مايو 2019 وهو يعلن خطوات بلاده الجديدة يوم الذكرى السنوية الأولى لخروج واشنطن من الاتفاق.

رسالة روحاني

ما أعلنه الرئيس الإيراني كان وقف الالتزام ببيع الماء الثقيل واليورانيوم المخصب للخارج، وهو نفس ما فرضت عليه الولايات المتحدة حظرا قبل أيام. فالولايات المتحدة كانت قد أعلنت في 4 مايو أنها ستبدأ فرض عقوبات على الصادرات الإيرانية من الماء الثقيل واليورانيوم المخصب والتي كان يجيزها الاتفاق النووي لمنع ارتفاع المخزون الإيراني منهما عن القدر المسموح وهو 300 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب و130 طنا من الماء الثقيل.

وبالتالي فإن الإعلان الإيراني في شقه النووي كان أقرب إلى شراء الوقت من خلال خطوات واقعة أصلا لإلقاء الحجة على الشركاء الباقين في الاتفاق للتحرك باتجاه خلق مسار جديد لضمان استمرار الاتفاق، ولعل القرارات الإيرانية كانت بمثابة عامل الترغيب الذي تريده إيران لتحفيز عملية إعادة تفكير أوروبي، مع ذلك حضر الترهيب الذي تعوّل عليه طهران لصناعة فارق في المشهد.

رسمت الإدارة الإيرانية الجديدة منذ الثورة عام 1979 خطا رفيعا لكنه واضح بين أوروبا والولايات المتحدة وبريطانيا.

"شيطان أكبر"

كانت واشنطن في العنوان الثوري الإيراني "شيطانا أكبر" تدعو عليه الجموع بالموت، وكانت بريطانيا لأسباب تاريخية عضوا في نادي الشياطين الثوري الإيراني بالاسم، بينما حافظت دول أوروبا الرئيسية، كفرنسا وألمانيا وإيطاليا والاتحاد الأوروبي عموما، على موقع لا يرقى إلى الصديق ولا ينحدر إلى العدو. هذا التصنيف شكل نواة لبدء التفاوض النووي في العام 2003 وأمّن استمرارية العملية التفاوضية بأطوارها المختلفة، صعودا وهبوطا، قربا وبعدا، تصعيدا وتحفيزا.

واليوم تقف أوروبا مجددا على محك استمرار الاتفاق النووي، كضامن أخير لبقاء أجهزة التنفس الاصطناعية على الميت السريري. وتدفعها إيران من قلق لآخر.

حددت طهران مصادر القلق الأوروبية والأمريكية في سياستها، بحسب تقييمها. القلق الأول في أوروبا مسألة المهاجرين لذلك أرادت أن تضغط من خلالها. وفي مناسبات عديدة سابقا ظهرت هذه القضية في خطابات روحاني ووزير الداخلية عبد الرضا رحماني فضلي. وقبل عام تقريبا كانت موجة المهاجرين الإيرانيين التي عبرت عبر صربيا إلى دول الاتحاد الأوروبي بمثابة جرس إنذار لا سيما مع مغادرة أكثر من 21 ألف إيراني لبلادهم بهدف اللجوء في الاتحاد الأوروبي وتركيا والولايات المتحدة خلال العالم 2018.

في خطابه الذي أعلن فيه الإجراءات الإيرانية رفع روحاني عنوانا آخر في خطابه، بدا رسالة واضحة باتجاه أوروبا، فقد ذكّر بدور بلاده في احتضان ملايين المهاجرين الذين كان من الممكن ان يتجهوا نحو اوروبا، فضلا عن جهودها في مكافحة المخدرات حيث قدمت في هذا السبيل على حد تعبيره آلاف الجنود كي لا تعبر المخدرات الحدود نحو اوروبا.

اختتم روحاني رسالته بالقول للأوروبيين "إنكم تعلمون أن هذه الاجراءات بحاجة الى مليارات الدولارات لا يمكننا تغطيتها في ضوء الظروف التي اختلقتها اميركا."

وإذا كان مصدر القلق الأوروبي مسألة اللاجئين فإن مصدر القلق الأميركي بحسب التقييم الإيراني يبقى مرتبطا بأمن المصالح الأميركية في المنطقة وأمن الممرات التي يُنقل عبرها النفط. ولأن إيران تبحث عن صناعة أرضية لـ "توازن قلق" يتطور تدريجيا إلى "توازن أذى"، فورقتها الأقوى تبقى حضورها الإقليمي عينه الذي تريد واشنطن أن تحدّ منه.

ولعل زيارة وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو غير المعلنة لبغداد في السابع من مايو الحالي، والتي قصدها من فنلندا ملغيا زيارة إلى ألمانيا، هذه الزيارة عكست مستوى القلق الأمريكي من أي تحرك مباشر أو بالواسطة من قبل طهران ضد مصالحها. سبق ذلك إعلان تحريك قطع عسكرية إلى المياه الخليجية وتعزيزها بقاذفات من طراز " بي 52" لمجرد ورود معلومات وصفتها واشنطن بالموثقة عن تحركات إيرانية تهدف لضرب مصالحها أو مصالح حلفائها.

دور الموساد

وبحسب صحيفة معاريف الإسرائيلية فإن جهاز الموساد هو الذي حذّر الولايات المتحدة من هجوم سيستهدفها أو يستهدف أحد حلفائها في الخليج، لكن القلق الذي تسبب به التحذير يدعو للتوقف مليا والتأكد من المصدر الذي سرّب معلومة كهذه في الأصل إلى الموساد.

وكان المثير للإهتمام ترافق التحركات الأمريكية مع تصريحات إيرانية سابقة ولاحقة تستبعد الحرب، ولا سيما من اللواء قاسم سليماني قائد قوة القدس في الحرس الثوري الإيراني الذي نشر على حساباته على وسائل التواصل الاجتماعي تسجيلات يؤكد فيه أن واشنطن لا تريد خوض حرب مع إيران وأن الاستخبارات الأمريكية حذرت الرئيس دونالد ترامب مرارا من هذا الأمر.

كلام سليماني شكّل رجع صدى لتصريحات سابقة لوزير خارجية إيران، جواد ظريف من نيويورك والتي تحدث فيها عن قناعته بأن ترامب لا يريد الحرب عارضا طاولة مفاوضات لبحث قضية تبادل للسجناء.

وبين طبول الحرب وطاولة المفاوضات وما يمكن وصفه بعض الأصابع، تبدو صورة الشرق الأوسط عصية على التوقعات بل إن الخطوط الثلاثة قد تكون متداخلة بشكل كبير.

هذا المحتوى من

فيديو قد يعجبك: