إعلان

"القراءة" عقوبة رسم غرافيتي عنصري مسيء في مقاطعة أمريكية

11:16 ص الخميس 18 أبريل 2019

إبحث عن لوجو مصراوي داخل الموقع يومياً خلال شهر رمضان للفوز بجائزة

تسجيل الدخول

لندن (بي بي سي)

في شهر سبتمبر عام 2016 رُسمت جداريات (غرافيتي) مسيئة على سطح بناية مدرسة قديمة في ولاية فرجينيا، كانت تستخدم في تعليم تلاميذ من ذوي البشرة السمراء خلال حقبة التمييز العنصري، وحُكم على الجناة بعقوبة غير عادية هي "القراءة"، وترصد مراسلة بي بي سي، إيما جين كيربي، بعد عامين ونصف من الواقعة إلى أي مدى نجحت هذه العقوبة.

اعتقدت أليجاندرا ريودا، المدعية العامة، منذ اللحظة الأولى لسماعها بشأن الجدارية العنصرية والمعادية للسامية التي رُسمت بعشوائية على جدران المدرسة الواقعة في أشبورن، بمقاطعة لودون في ولاية فرجينيا، أن الجناة أطفال.

وتتذكر قائلة : "كانت الجدارية مليئة بالعنصرية، رسموا صلبانا معقوفة برش الألوان وكتبوا عبارات مثل (القوة البيضاء) و (القوة السمراء). لكن كانت توجد أيضا رسوم لديناصورات وصدور نساء وأعضاء ذكرية. ولايبدو أن العمل نفذه أناس ينتمون إلى ما يعرف باسم (كو كلوكس كلان)، وهي منظمات أخوية أمريكية تؤمن بتفوق ذوي البشرة البيضاء ومعاداة السامية والعنصرية ومعاداة الكاثوليكية وكراهية المثلية، بل يبدو أن العمل نفذه مراهقون".

وصدق حدسها بالفعل، إذ أُلقي القبض على خمسة مراهقين أعمارهم بين 16 و 17 عاما على ذمة التحقيق في الجريمة واعترفوا بذنبهم في الإضرار بالممتلكات الخاصة والدخول غير القانوني.

ولم يدرك المراهقون أهمية المبنى الذي شوهوه، وهو مبنى تاريخي لمدرسة "أشبورن كولورد"، كان يستخدم لتعليم الأطفال أصحاب البشرة السمراء خلال فترة التمييز العنصري في نورثرن فرجينيا.

وتعتقد المدعية أن الأطفال كانوا يعترضون فقط على السلطة بعد طرد أحدهم من مدرسته، لكنها تتفهم لماذا أصيبت البلدة بصدمة بسبب الجريمة.

وتقول: "تفجر غضب الأهالي، وهذا مفهوم. لكن بعض الأطفال لم يعرف ماذا يعني الصليب المعقوف. لذا وجدتها فرصة تعليمية سانحة. فالأمر بالنسبة للأطفال إما أن تعاقبهم أو تعيد تأهيلهم، لاسيما إن كان الأطفال ليست لديهم أي سابقة جنائية، وتذكرت وقتها ما الذي علمني عندما كنت في مثل سنهم، ما الذي فتح عيني على الثقافات والديانات الأخرى، إنها القراءة".

أيد القاضي في هذه القضية رأي الادعاء، وضرورة توقيع عقوبة القراءة على الأطفال المراهقين.

كتبت أليجاندرا ريودا قائمة تضمنت 35 كتابا وأمرت الجناة باختيار عنوان واحد للقراءة كل شهر لمدة عام وتكليفهم بكتابة واجب للكتب الـ 12 التي اختاروها.

كان من بين عناوين الكتب "اللون الأرجواني" للكاتبة أليس ووكر، و"اسمي آشر ليف" للكاتب شايم بوتوك، و"أعرف لماذا تغرد الطيور في الققص" للكاتبة مايا أنجيلون و"صرخة البلد المحبوب" للكاتب آلان باتون، و"عداء الطائرة الورقية" للكاتب خالد حسيني.

وتقول أليجاندرا ريودا، التي نشأت في المكسيك في أسرة أدبية ثنائية اللغة وكانت تعمل أمها أمينة مكتبة مدرسة، إنها مدينة بوعيها الثقافي والعرقي لبعض الكتب التي اقترحت أمها عليها قراءتها.

كانت تصر أمها على أن تعرف ابنتاها ماذا يعني "الهولوكوست" والكراهية على أساس العرق والآثار المترتبة على التعصب المبني على أساس العرق والدين.

وتقول : "لم تكن لدي أي فكرة عن التمييز العنصري في جنوب أفريقيا حتى قرأت كتاب آلان باتون وفتح عقلي، ولم تكن لدي أي معرفة على الإطلاق بالتمييز العنصري. وكذلك لم أعرف شيئا عن إسرائيل حتى قرأت كتاب (الخروج) للكاتب ليون يوريس. لذا كانت هذه الكتب على قائمة القراءة التي كتبتها، وأضفت إليها أعمالا كلاسيكية ينبغي أن يعرفها كل شخص، مثل (أن تقتل عصفورا محاكيا)."

وأشيد بالقاضي على نطاق واسع لسعيه إلى تعليم المراهقين من منطلق سلوكهم المسيء، غير أن بعض أعضاء الجالية السمراء كتبوا رسائل شكوى لصحف محلية ووطنية تقول إن المراهقين لم يكن ينبغي على الإطلاق التساهل معهم هكذا. وعلى الرغم من أن جميع الجناة ليسوا من ذوي البشرة السمراء، تقول أليجاندرا ريودا إن ثلاثة منهم من أقليات عرقية.

وأضافت : "لم يكن لهؤلاء الأطفال سجل يشير إلى ارتكاب جرائم، لذا لم يكن أمامهم سوى عقوبة الحبس في إصلاحية".

وقالت : "إن العقوبة التي فرضتها كانت أقسى من العقوبة التي كانوا سيخضعون لها. عادة ما تكون الفترة خاضعة لمراقبة السلوك، وهو ما يعني التسجيل الشهري لدى موظف مراقبة سلوك المذنبين، وربما قضاء بضع ساعات في خدمة المجتمع وكتابة خطاب للتعبير عن آسف. وهنا اضطروا إلى أداء 12 تكليفا وكتابة مقال من 3500 كلمة عن الكراهية على أساس العرق، وكان عملا كثيرا".

نجح المراهقون الخمسة في استكمال واجب القراءة والتكليف التحريري مع تنظيم زيارات إجبارية لمتحف الهولوكوست التذكاري في واشنطن ومعرض التاريخ الأمريكي عن معسكرات الاعتقال اليابانية الأمريكية في الولايات المتحدة.

وبعد عامين لم يرتكب أي منهم أي مخالفة جديدة، ولايزالون جميعا يتعلمون. ويقول محامي المراهقين إن أسرهم كانت "تشعر بحرج" بسبب "طيشهم الأحمق" وكان للعقوبة "تأثيرها المنشود".

ولم يرغب أي من المراهقين في إجراء مقابلة خاصة للحديث عن التجربة، لكن أحدهم وافق على مشاركة مقاله الأخير الذي جاء فيه:

تعلمت الكثير من كتابة هذه الورقة وكيف يمكن أن تؤثر أشياء على الناس، لم تكن لدي أي فكرة عن أحلك القضايا في تاريخ البشرية. أتذكر عندما كنت أجلس في حصة التاريخ وأتعلم هذا النوع من الموضوعات في يومين، ويحل الأسبوع التالي، وكنت أعتقد أن الأمر هكذا، لم أفكر حقا فيما حدث بعمق، لأني لم أرغب على نحو كبير في معرفة أهوال.

كنت أعتقد أن الصليب المعقوف مجرد رمز ولا يعني الكثير حقًا، ليس أكثر من ذلك. كنت على خطأ إذ كان يعني الكثير لأولئك الذين تضرروا منه. إنه يذكرني بأسوأ الأشياء، فقدان أفراد أسرة وأصدقاء، وألم التعذيب، نفسيا وجسديا، والتذكير أيضا بمدى الكراهية وكيف يمكن أن يكون العالم قاسياً وغير عادل. كما أن الصليب المعقوف تذكير أيضا بالقمع وعدم الاستماع والإخضاع. إن الصليب المعقوف هو أيضا علامة على القوة البيضاء، وأن جنسهم يتفوق على أي شيء آخر، وهذا ليس هو الحال.

ينبغي ألا يشعر الناس بدونية، ولا ينبغي لأحد أن يشعرهم بهذا. أشعر بفزع شديد بعد كتابة هذه الورقة وكيف تسببت في جرح مشاعر شخص. يجب أن يُعامل الجميع على قدم المساواة، بغض النظر عن العرق أو الدين أو الميول الجنسية. سأبذل قصارى جهودي كي لا يحدث هذا الجهل مرة أخرى.

وعندما وصلت أليجاندرا ريودا إلى الجملة الأخيرة التي قرأتها لي، بكت فجأة، وقالت لي: "لقد جعلني أبكي. لكنه جعلني أشعر بفخر كبير لأنه تعلم! نجح الأمر"، ومسحت عينها بمنديل.

قالت مرة أخرى وبشكل قاطع: "نجح الأمر. لا تنجح عقوبة السجن. حسنا، بعض الأطفال يتعين احتجازهم لأنهم يشكلون خطرا على المجتمع أو على أنفسهم، لكن بالنسبة للغالبية، يمكن أن يكون الاحتجاز صدمة كبيرة، وليس هذا هو الغرض من نظام العدالة الجنائية عندما يتعلق الأمر بأطفال".

وأضافت: "أعلم أنني لا أبدو مثل مدعية هنا، لكن هذا ليس ما أهدف إليه مع الأطفال، لذا أردت أن أتحلى بفكر خلاّق قدر الإمكان في هذه القضية".

أمضت بالفعل مقاطعة لودون العام الماضي في إجراء إصلاح شامل لنظام قضاء الأحداث (صغار السن) بها.

وترأس أليجاندرا واحدة من اللجان وتأمل في استخدام القراءة والتعليم على نحو دوري في محاكم مقاطعة لودون.

واستُخدمت طريقة "تنظيم القراءة" بالفعل في قضية أخرى بعد إدانة صبي يبلغ من العمر 13 عاما بممارسة سلوك اتسم بالتهديد والإساءة العرقية بحق طفل أسمر البشرة. كما صدرت بحقه عقوبة تضمنت قائمة قراءة، على الرغم من أن عناوين الكتب جرى اختيارها على نحو يناسب الفئة العمرية التي ينتمي إليها الصبي.

قالت أليجاندرا ريودا: "لابد أن نعلّم الأطفال إنطلاقا من الجهل. ويجب أن يكون تركيزنا مع الأطفال على إعادة التأهيل، وليس العقاب إن كنا نرغب في تحقيق نتائج".

هذا المحتوى من

فيديو قد يعجبك: