إعلان

الشيخ محمود الهواري: مواقع التواصل الاجتماعي أحد أسباب الإلحاد.. وفلسفة الملحدين باطلة (حوار)

11:55 ص الجمعة 22 فبراير 2019

الدكتور محمود الهواري

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

حوار - محمد قادوس

قال الدكتور محمود الهواري، عضو المكتب الفني لوكيل الأزهر، وأحد خطباء الجامع الأزهر الشريف، إن الإلحاد ليس ظاهرة في المجتمع المصري، لكن تسليط الضوء عليه من قبل البعض جعلهم يسمّونه ظاهرة.

وأكد الهواري أن أحد أسباب ذلك هو انتشار وتنامي مواقع التواصل الاجتماعي بشكل كبير، ولجوء الشباب إلى هذه المواقع والاعتماد عليها في تكوين خلفية دينية قد تكون غير منضبطة.

وحول مسألة الإلحاد وجهر البعض بالخروج من الإسلام، قال فضيلة الشيخ الدكتور محمود الهواري، في حوار خاص لـ مصراوي إن الإلحاد ليس فضيلة ولا مكرمة، بل هو معرّة لا تليق بعاقل؛ لأن الملحد يخالف قانون الكون، وهناك عوامل تؤدي إلى الإلحاد، لكن كل هذه العوامل تقريبا مردها إلى سبب رئيس، وهو البعد عن الدين، وعن البيئة الإيمانية السليمة.. وإلى نص الحوار:

* بداية، قضية الإلحاد قضية خطيرة، تهدد الأفراد والمجتمعات، فكيف ترى هذه المسألة؟

- دعنا أولا قبل أن نخوض في خطورة الإلحاد أو آثاره على الأسر والمجتمعات، ينبغي أن نعرف مفهوم الإلحاد فهم يقولون: إن تحرير المعنى نصف الفهم.

أولا: معنى الإلحاد بعيدا عن التأصيل العلمي لغة واصطلاحا وفلسفة، هو فكرة تدور حول إنكار وجود الله عز وجل.

ولو رجعنا إلى أصل الكلمة في اللغة العربية لوجدنا أن معناها يدور حول الميل عن الاستقامة والانحراف عنها، وعلى هذا المعنى فالملحد منكر لوجود الله تعالى، وهو بذلك مائل عن الحق إلى الباطل.

وإذا كان أصل معنى الإلحاد ميل عن الطريق القويم إلى طريق معوج فهذا معنى لا ينبغي أن يفخر به أحد، ولا أن يفرح بانتسابه إليه، فليس من المكرمات أو المفاخر أن ينتسب أحد للإلحاد، بل إن الانتساب إليه مَعَرَّة بغير علم.

* لكن فضيلة الدكتور.. فكرة الإلحاد، أو بمعنى إنكار وجود الله هل تستقيم مع الإنسان سويّ الفهم؟

- في الحقيقة فكرة إنكار وجود الخالق من الأساس إنكارا كليا هذه فكرة مستبعدة تماما في كل العصور، لأن الإنسان فُطِر على وجود إله خالق، وهذه حقيقة لا ينكرها حتى الملحد، لكنه يعاند ويكابر، ويصدق فيهم قول ربنا سبحانه وتعالى: ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّا ﴾ (النمل:14)، ولو أردنا أن نسوق الأدلة على أن الأنفس جبلت على الإيمان لوجدنا من كتاب ربنا ومن سنة نبينا صلى الله عليه وسلم ما يؤيد إيمان البشرية بخالقها، ففي القرآن يقول الله تعالى: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) وفي السنة النبوي يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (كل مولود يولد على الفطرة...)

ومثل هذه النصوص يؤكدها الفلاسفة والمفكرون المعاصرون، فأحد المؤرخين الإغريق يقول: "لقد وُجِدَت في التاريخ مدن بلا حصون، ومدن بلا قصور، ومدن بلا مدارس، ولكن لم توجد أبدا مدن بلا معابد".

فهذا مفكر يؤيد ما جاء به الوحي الشريف، وهو أن الدين متأصل في نفوس البشرية منذ القدم.

* إذا كان الدين متأصلا في نفوس البشرية كما تقول فضيلتك، فما حجة الملحد؟

- أغرب ما يقال من بعض الملحدين أن يصدمك بفلسفة فارغة باطلة، تسمع أحيانا من يقول: أنا لا أنكر وجود إله، لكني لا أؤمن به.

وهذا كلام سخيف، لأنك لو آمنت بإله له صفات الألوهية فكيف لا تؤمن به، فهذا تناقض ومغالطات تدل على تقليد أجوف ليس له أساس.

وفي ظني إن الإلحاد ليس ظاهرة في المجتمع المصري، لكن تسليط الضوء عليه من قبل البعض جعلهم يسمونه ظاهرة، وسبب ذلك هو انتشار وتنامى مواقع التواصل الاجتماعي بشكل كبير، ولجوء الشباب إلى هذه المواقع والاعتماد عليها في تكوين خلفية دينية.

وكثير من الحالات التي يقال عنها إنها ملحدة هي في حقيقتها موقف نفسي بسبب صدمة معينة مرَّ بها في حياته جعلته لا يفهم الحكمة في القضاء والقدر، فيتسخط لأجل ذلك.

وقد تكون محاولة لإثبات الوجود، وإسماع الصوت لا أكثر.

* لكن يا فضيلة الدكتور ليس كل ملحد يمر بأزمة نفسية حتى يلحد، وإنما هناك عوامل قد تؤدي إلى الإلحاد؟

- أنا أتفق معك بالطبع أن هناك عوامل تؤدي إلى الإلحاد، لكن كل هذه العوامل تقريبا مردها إلى سبب رئيس، وهو البعد عن الدين، وعن البيئة الإيمانية، ومن أهم هذه العوامل:

1- غياب القدوة الصالحة في الأسرة أو في المدرسة أو غيرهما، فينشأ الشاب وهو لا يعرف دينه حق المعرفة، ولا يعرف سر وجوده في الحياة، فيسهل عليه تركه لأي سبب.

2- تعرض الشباب وخاصة في مرحلة النضج الثقافي والفكري لكتب تحتوي على أفكار إلحادية، دون أن تكون عنده ملكة يستطيع بها أن يصد تأثير هذه الأفكار، خاصة إذا كان أسلوب عرض الكتب جميلا وشائقا.

3- وأحيانا تكون الشهوات والرغبات المادية هي الدافع للإلحاد، فالبعض يرى أن الدين يمثل حاجزا بينه وبين رغبته في الاستمتاع بالحياة كما يتصور، ولبعده عن الدين لا يوقن أن الله ما حرم شيئا إلا للضرر المترتب عليه.

4- إضافة إلى العالم المنفتح بما فيه من تطور تكنولوجي وتقدم تقني يجعل الأفكار تجوب العالم في لحظة، ويعطي فرصة لتسويق الأفكار المختلفة وتزيينها للشباب.

وغير ذلك من عوامل.

* هل ترى مسألة تجديد الخطاب الدينى أحد الأسباب في انتشار الإلحاد؟

وهل ترى كذلك قيام بعض الدعاة أو المشايخ بالتحدث في الدين بغير علم أو بخطاب قديم غير معاصر أحد أسباب هذه المسألة؟

- في الحقيقة حين يتصدر للأمر من ليس أهلاً له قد يفسد أكثر مما يصلح، ولذلك أمرنا ديننا أن نحترم التخصص، فقال تعالى: "فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون".

فمن تجرّأ واقتحم مجالاً لا يُحسنه ولا يعرف أصوله أتى بالعجائب.

ومن أصول التجديد أن يُرَدَّ كل علم إلى أهله المختصين المتخصصين، حتى يحسنوا فك الإشكال وإزالة الإبهام.

ومن التجديد أن نلتفت لمثل هذه الأفكار المغلوطة ونحاول علاجها، ببيان ضعفها ووهنها، وفضح زيفها، لا أن نتركها تنتشر بين الناس تاركة لهم الحيرة.

* هنا يحضرني سؤال مهم جدا، وهو: كيف يمكن تحصين الشباب من الإلحاد؟

- التصدي للإلحاد ينبغي أن يكون العمل فيه من ناحيتين، الأولى: من ناحية من وقع في براثن الإلحاد، ليعود مؤمنا مستقيما حتى لا ينشر فكره في غيره، وهذا جزء من الوقاية والتحصين للشباب.

والثانية: تكون في إزالة القلق والحيرة التي تكون عند بعض الشباب، من خلال الإجابة عن تساؤلاتهم، ومعالجة ما يدور في أذهانهم بالنقاش الهادئ الذي يخلو من الاتهامات والعصبية والشدة، ولنا في النبي صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، فإنه صلى الله عليه وسلم لما جيء إليه بشارب خمر، قسا عليه الحاضرون بكلامهم له، ولومهم إياه، فكره النبي صلى الله عليه وسلم أن يقسوا عليه، فقال لهم: (لَا تَكُونُوا عَوْنًا لِلشَّيْطَانِ عَلَى أَخِيكُمْ)

لذلك ينبغي أن نترفق مع الشباب، ونترك لهم فرصة في نقاشاتنا حتى يظهروا أفكارهم، حتى لو كانت غير مقبولة، ثم نعالجها المعالجة الحكيمة.

وقد نقل القرآن هذه المحاورة اللطيفة مع المنكرين لله الذين يعبدون غيره، فخاطبهم بخطاب فيه رفق ولين، بخطاب ينفذ إلى أعماق القلب والعقل قال سبحانه {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}، فهو يقيم عليهم الحجة بالمناقشة الهادئة، بحيث يجعلهم قضاة على أنفسهم وشركاء في البحث عن الحقيقة والوصول إليها.

وقد فعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، حينما جاءه عتبة بن ربيعة وهو يعرض عليه أمورا من ملك ومال ورياسة، وهي أمور مغرية، وذلك حتى يترك النبي – صلى الله عليه وسلم – الدعوة إلى الإسلام، فاستمع له النبي صلى الله عليه وسلم وتركه حتى انتهى من حديثه ثم قال له: أفرغت يا أبا الوليد؟ قال نعم، قال فاسمع مني، ثم تلا على مسامعه آيات بينات ظهر أثرها على عتبة مباشرة، حتى إنه لما رجع إلى قومه قالوا: (لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به)

فالحوار باب الوصول إلى الإيمان.

* لكن هل ترى أن الإلحاد خطير؟

- أنا منشغل في الأصل بتعريف الناس والشباب خاصة بأهمية الإيمان وآثاره الطيبة على الفرد والمجتمع، وإن كان الإلحاد له خطره وأثره السيئ.

لكن الإيمان يحفظ الإنسان والأوطان، فالإيمان بالله تعالى يُشعر المؤمن بصلته بربه، ويحُث المؤمن على مراقبة الله له فيخجل من القيام بأي معصية، خاصّةً أنه يُدرك أن الملائكة تُسجّل كل كبيرة وصغيرة ممّا يقوم به من تصرّفات فتحصي أعماله، وبذلك تصان الحياة والأحياء.

إنّ كُل رُكن من أركان الإيمان له في نفس المُؤمن أثر؛ فالإيمان بقضاء الله وقدره من شأنه أن يجعل المُؤمن صابراً راضياً بما قَسَم الله له في هذه الحياة سواءً كان خيراً أو شراً، فيجنب الإنسان القلق والمشاكل النفسية، ويجلب السعادة والطمأنينة للمؤمن، فإذا أصابه شيء من الحزن أو التعب يلجأ إلى ربّه ويدعوه فيزول ما به من تعب أو هم.

وإذا كان للإيمان هذا الأثر الطيب على الفرد، فإن له أثرا طيبا كذلك على المجتمعات، والمجتمع بلا إيمان هو عبارة عن مجتمع يملؤه الظلم فيأكل الكبير الصغير، أمّا إن كان مُجتمعاً مُؤمناً فلا مكان للظُلم بين أفراده لأنّ الإيمان لا يُمكن أن يتواجد مع الأخلاق البذيئة، وقد بُعث الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ليُتمِّم مكارم الأخلاق فقال عليه السلام: (إنما بعثت لأتمّم مكارم الأخلاق)؛ فصلاح الأخلاق من الإيمان، وفساد الأخلاق دليل على فقد الإيمان، ويُمكن للإيمان أن يُحقّق الكرامة لجميع أفراد المُجتمع؛ فالمُجتمع المُؤمن يعلم جيداً أنّ الإنسان مُكرّم على سائر مخلوقات الله.

حل مسألة الإلحاد في الإيمان بالله عز وجل، وما أنزله من وحي شريف، والأدلة على وجود إله خالق مدبر كثيرة، ويكفي أن الله عز وجل قال: وفي أنفسكم أفلا تبصرون.

* وكيف ترى جهر البعض بالخروج من الدين وإعلان الإلحاد.. وهل هناك دور للمؤسسات الدينية والمجتمعية؟

- الجهر بالإلحاد ليس فضيلة ولا منقبة ولا مكرمة، بل إن الإلحاد معرّة لا تليق بعاقل؛ لأن الملحد يخالف قانون الكون، والكون مبني في جملته بإنسانه وحيوانه وجماده ونباته على الإيمان بإله خالق قدير. والفطرة السوية تذعن لهذا.

والذي يجهر بإلحاده خرج عن قانون إيمان الكون، فضلاً عن مناقضته لفطرته، إضافة إلى خروجه عن إيمان مجتمعه.

ولعل من يعلن إلحاده في حاجة إلى احتواء نفسي ومجتمعي ومحاورة فكرية راقية تحترم الأسئلة التي تدور في رأسه، هذا إن كان صادقاً في البحث عن أجوبة.

وقديما قال البدوي الذي لم يحي في عصر الذرة ولا التقدم ولا التكنولوجيا: البعرة تدل على البعير، والسير يدل على المسير، ليل داج، وسماء ذات أبراج، وبحار ذات فجاج، ألا تدل على اللطيف الخبير؟!

ليظهر بهذا القول أن وجود الله أوضح من أن يحتاج إلى دليل يثبته.

والواجب على المؤسسات أن تكون محاضن إيمانية، وأن تعنى العناية الشديدة بغرس الإيمان وتقويته في نفوس النشء، وأن تجعل من مناهجها وبرامجها وطرحها ما يحبب الشباب بل كل الناس في الإيمان، ويزيد من تعلقهم بالله.

والأزهر الشريف يدرك أهمية هذه الناحية؛ لذلك يدرب أئمته ووعاظه وأمناء الفتوى على أن يكونوا أداة تنوير وتفهيم وتوضيح لما يجري من أسئلة في أذهان الشباب خاصة.

فيديو قد يعجبك: