إعلان

التنمية البشرية ودورها في علاج التطرف

محمد محمود حبيب

التنمية البشرية ودورها في علاج التطرف

09:33 م الثلاثاء 26 مارس 2019

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

إبحث عن لوجو مصراوي داخل الموقع يومياً خلال شهر رمضان للفوز بجائزة

تسجيل الدخول

بقلم: محمد محمود حبيب

مدرب تنمية بشرية ومتخصص في علاج التطرف والإرهاب

لست في حاجة لحشد أدلة هائلة لإثبات تأخرنا جميعًا في علاج التطرف، أو إثبات التعدد في وجهات النظر تجاه مسألة التطرف والتي تُعد شرارة الإرهاب بمختلف صوره؛ لأن الأمر واضح وجليّ.

ومن بديهيات الإدراك الجيد للأمور علينا أن نعترف بصعوبة القضاء على التطرف نهائيًا بسبب اختلاف العقول والنفوس والبيئات بل والنيات أيضًا؛ ولكن ووفقًا للمبدأ القائل "ما لا يدرك كله لا يترك كله"؛ فيمكن أن نقدم إسهامًا فعّالًا في الأمر وهو تخفيف حدة وقسوة التطرف، وهذا يستلزم الاعتراف أولًا بأننا لم نفهم دوافع ومحركات المتطرف الحقيقية فانشغلنا في سبّه وتحقيره وتفرغنا - وما زلنا وسوف نستمر- في البحث عن علاجه وأهملنا بُعدا ضروريًا لعلاجه ،ألا وهو التشخيص السليم، فالعلاج الناجع يحتاج لتشخيص دقيق، فالتشخيص الخاطئ يولّد علاجًا ناقصًا أو متأخرًا؛ وهذه كلها أمور يتابعها الحس فى بُهر! بل هو واقع حـي يعاطفنا ونعاطفه، وهو أمر يتجلى للحواس والقلب والعقل فى بهاء أخّاذ، وهو شئ لا يمكن إنكاره في هذا الكون الزاخر الممتد اللاحب الواضح، ولا يحتاج لكثير عناء لإثباته.

وبعدما كانت أغلب الدراسات والأبحاث تحصر مسببات التطرف في أمور الفقر والأمية وغيرها فقد تفاجأ الجميع بأن هناك متطرفون على مستوى تعليم عالي أو من أولاد الأغنياء فظهر التخبط والاضطراب في التوصيف لأنه لم تراع الأبعاد الحقيقية للتطرف ومسبباته ولا طرق فهمه؛ فالفهم السليم لطبيعة المتطرف هو البُعد الغائب، فلم نبيّن له أننا لا نعاديه لشخصه ولكن نختلف مع أفكاره، ولم نبيّن له أننا مقتنعون بحسن نيته في الوصول لمرحلة الالتزام المطلق، ولكن عنده فهم خاطئ فهو يريد الكمال، يريد أن يطبق أدلته وبراهينه بحذافيرها، فجاء ظننا السئ فيه أن كل المتطرفين مأجورون وعملاء، أو كارهين لنا، كذلك لم نتجنب وصفه بــ "متطرف ومتخلف ورجعي" عند التعامل معه وجها لوجه أو عند مراسلته؛ فكانت النتيجة ازدياده في عناده وإصراره على موقفه وظن بأن الجميع يكرهونه؛ والكارثة كانت فشلنا فى احتوائه وإرجاعه عن الفكر المنحرف؛ حيث أن الفهم الصحيح والتشخيص الدقيق أقصر وأسرع الطرق للعلاج الناجع، والمتطرف يختلف عن الإرهابي قطعًا، المتطرف لابد من فهمه لإنقاذه، أما الإرهابي فهو مجرم قاتل لابد من عقابه قانونيًا على أفعاله.

ومن هنا جاءت رؤيتي في علاج التطرف بالتنمية البشرية التي هي صلب وأساس فهم الآخر والتعامل الجيد معه على أحسن وجه وأقصد هنا مهارات التنمية البشرية المتفق عليها والمقبولة من الجميع بعيدًا عن أي خزعبلات مرفوضة، وتشمل هذه الرؤية التربية الصحيحة واكتشاف السلوكيات المتطرفة أولًا بأول مع التوصيف الصحيح والعلاج السليم، وهذه الرؤية لم تبن فقط على نظرة علم النفس أو علم الاجتماع، بل تكونت من خلال تجارب واعترافات ومذكرات كثير من المتطرفين والإرهابيين والحل هو تحصين النشء والأطفال عن طريق اهتمام الأبوين والمربين بالتربية الصحيحة، والالتفات لخطورة بعض الصفات الخفية؛ فالإقرار بصفة الانتقام من الآخر أو ضرورة فرض الرأي ووجهة النظر على الآخرين فى تربية الأطفال يرسخ لدية عقاب وازدراء المختلف معه دينيا وعقائديًا، وكذلك تعويد الطفل على ازدراء أخته بحكم أنه ولد وهى بنت وأنه أولى منها ببعض الأغراض والمزايا؛ فكل هذا ينمى عنده ويرسخ أفكار خاطئة يسهل الاقتناع بها عندما يصبح شابًا نتيجة المحركات التي سبق وأن ترسخت عنده ومن هذه الأفكار مشروعية نكاح الجهاد أو ملك اليمين أو كون اعتبار بعض النساء جواري وهكذا .

ومن المؤسف حقًا أن نرى أن التربية السليمة فقط هي ألا يتعلم الطفل شرب السجائر أو معاكسة البنات، دون الالتفات لبعض الصفات الأخرى من تعويده أو الرضا منه بعدم احترام القامات الدينية والوطنية، أو ازدراء الغير من غير المسلمين أو ازدراء المرأة وغير ذلك فكل هذه الأخطاء التربوية تجعل منه شخصية غير سوية عند توافر العوامل المعروفة سواء سياسية، أو اجتماعية أو عقائدية أو اقتصادية، وهذه الشخصية الغير سوية قد تكون محورها الإرهاب أو الإجرام وغير ذلك، فالتربية الخاطئة هي المكون الأساسي لجذور التطرف والإرهاب، فكل من تربى تربية سوية مستحيل أن ينزلق في براثن التطرف والإرهاب حتى لو وقع تحت ضغط صعوبات الحياة والمحن.

ولذا فسنعرض بعون الله في المقالات القادمة لأهم السلوكيات التربوية الخاطئة عند الأطفال بالوصف والعلاج والتي ترسخ عنده علامات التطرف عندما يكبر.

إعلان