إعلان

حصاد الأزهر الطيب

د. إلهام شاهين

حصاد الأزهر الطيب

09:04 م الثلاثاء 22 يناير 2019

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

إبحث عن لوجو مصراوي داخل الموقع يومياً خلال شهر رمضان للفوز بجائزة

تسجيل الدخول

بقلم: د- إلهام محمد شاهين
عضو هيئة تدريس بجامعة الأزهر

حصاد الأزهر الشريف في أقوال الإمام الطيب ومواقف وبيانات هيئة كبار العلماء يوزن بميزان الذهب ويحق للعالم أن يتخذها قدوة ونبراسا يهتدي به، وزادا ينهل منه، يتعلم منه كيفية الحفاظ على الحقوق الإنسانية في الأرض والمال والعرض والكرامة والحياة، فقد حشد العالم في مؤتمر لنصرة القدس وليذكرهم بأن القدس سيظل شرف الأمة الإسلامية , ويوقظ ضمير العالم من سباته العميق ليقوم بدوره ولا يتخاذل عنه.

ولذا فقد نبه في كلمته الافتتاحية بالمؤتمر إلى أنه «يدق ناقوس الخطر ويشعل ما عساه قد خبا وخمد من شُعلَة العزم والتصميم على ضرورة الصُّمُود أمام العبث الصهيوني الهمَجِي في القَرن الـ 21، وأنه على نخب هذه الأمَّة أن تتنبَّه إلى أنها أُمة مستهدفة في دينها وهويتها ومناهجها التعليمية والتربوية ووحدة شعوبها وعيشها المشترك»، مؤكدًا أن "الحقُوقِ لا تقبَل بيعًا ولا شراء ولا مُساومة، وأن كل احتلال إلى زوال وإن بدا اليوم وكأنه أمر مستحيل".

وفي سبيل التأكيد العملي على ذلك أعلن الإمام الأكبر رفضه القاطع لطلب رسمي من نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس، للقاء فضيلته في مشيخة الأزهر، مطلقا مقولته التي صارت نبراسا يحتذى: «كيف لي أن أجلس مع من منحوا ما لا يملكون لمن لا يستحقون» ثم أصدر فضيلته بيانا أعلن فيه دعم الأزهر الكامل للشعب الفلسطيني في نضاله المشروع من أجل تحرير أرضه وحماية مقدساته، قائلا: «لتكن انتفاضتكم الثالثة بقدر إيمانكم بقضيتكم ومحبتكم لوطنكم.. ونحن معكم ولن نخذلكم».

وكما كان حرص الأزهر على الحق الفلسطيني في الأرض كان حرصه على حق المسلم والمسلمة في الحفاظ على الحقوق الإسلامية المنصوص عليها في كتاب الله في الميراث.

فعند عودة قضية ميراث المرأة إلى التناول بصورة غير منضبطة ، ومحاولة البعض العبث أو المساس بثوابت شرعية قاطعة، تصدت هيئة كبار العلماء لتلك القضية، محذرة من "تجاوُز بعض المضللينَ بغير علمٍ في ثوابتَ قطعيَّةٍ معلومةٍ مِن الدِّينِ بالضرورةِ، ومن تقسيم القرآن الكريم المُحكَمُ للمواريثِ، خصوصًا فيما يتعلَّقُ بنصيبِ المرأةِ فيه، والذي وَرَدَ في آيتينِ مُحكَمتَينِ مِن كتابِ الله المجيدِ في سُورةِ النِّساءِ، وهو أمرٌ تجاوَزَتْ فيه حَمْلةُ التشنيعِ الجائرةُ على الشَّريعةِ كلَّ حُدودِ العقلِ والإنصافِ"، موضحة أن "الأزهرَ الشَّريفَ بما يَحمِلُه من واجبِ بيانِ دِينِ الله تعالى وحراسة شريعته وأحكامه؛ فإنه لا يَتَوانَى عن أداءِ دَورِه، ولا يتأخَّرُ عن واجبِ إظهارِ حُكمِ الله -تعالى- للمُسلِمينَ في شتَّى بِقاعِ العالمِ، والتعريفِ به في النَّوازلِ والوقائعِ التي تَمَسُّ حياتَهم الأُسَريَّةَ والاجتماعيَّةَ".

وشددت الهيئة على أن أحكام الميراث هي من "الأحكامِ التي لا يقبَلُ الخوضَ فيه بخيالاتٍ جامحةٍ وأُطروحاتٍ تُصادِمُ القواعدَ والمُحكَماتِ، ولا تَستنِدُ إلى علمٍ صحيحٍ، فهذا الخوضُ بالباطلِ مِن شأنِه أن يَستفِزَّ الجماهيرَ المسلمةَ المتمسِّكةَ بدِينِها، ويفتحَ البابَ لضَربِ استقرارِ المجتمعاتِ، وفي هذا مِن الفسادِ ما لا يَخفَى، ولا نتمناه لأحد أبدًا"، وأكدت الهيئة أن "الأزهر الشريف يحذر المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها من هذه الفتنة ومن دعاتها، ويَرفُضُ رفضًا قاطِعًا أيَّة محاولة للمَسَاسِ –مِن قريبٍ أو بعيدٍ- بعقائد المسلمين وأحكام شريعتهم، أو العبث بها".
أما فيما يتعلق بالعرض والكرامة فقد كان للمرأة النصيب الأكبر في حصاد الأزهر بتناول القضايا التي تتعلق بها للحفاظ عليها وعلى كرامتها ومن ذلك ما تناوله و شدد عليه شيخ الأزهر خلال ترأسه للاجتماع الأول للجنة مراجعة وإقرار مشروع قانون الأحوال الشخصية.

من ضرروة أن يتضمن مشروع القانون آليةً محكمة لتنفيذ الأحكام القضائية الخاصة بقضايا الأسرة، ومراعاة تقديم نفقة عادلة للمرأة في حالة الانفصال؛ بما يضمن رعاية جيدة للأطفال، ووضع نصوص محكمة للالتزام بضوابط الحضانة، ومعالجة المشاكل الناتجة عن تعدد الزوجات، وضبط الحقوق والواجبات المترتبة على الطلاق.
وكذلك ما صدر عن الأزهر الشريف من اتخاذه موقفًا حاسمًا تجاه ظاهرة التحرش الجنسي كأحد أخطر الظواهر الاجتماعية ضد المرأة، حيث انتصرً لكرامة المرأة وحريتها وحقوقها، عندما أعلن الأزهر رفضه القاطع لتلك الظاهرة غير الأخلاقية وشدد على تجريم التحرش إشارة أو لفظًا أو فعلًا، تجريًما مطلقًا ومجردًا من أي شرط أو سياق، مؤكدا على أنه فعل يأثم فاعله شرعًا ولا يجوز تبريره بسلوك أو ملابس الفتاة.
ولتكتمل منظومة حصاد الأزهر في الحقوق فقد كان حرص الإمام الطيب على التنبيه بحق الحياة لمن لا يستطيع عن أن يدافع عن نفسه ويطالب به , ذلك الطفل الذي وكان له نصيبًا من اهتمام الأزهر بقضاياه من خلال الاهتمام بقضايا الأسرة في عام 2018، حيث شارك فضيلة الإمام الأكبر في "ملتقى تحالف الأديان لأمن المجتمعات.. كرامة الطفل في العالم الرقمي"، الذي عقد في العاصمة الإماراتية "أبو ظبى"، وألقى الكلمة الرئيسية في الملتقى، مشددًا خلالها على أنه بلغ من رعايةِ الإسلام لحقوقِ الطفلِ أنْ حَفِظَ له نصيبَه في الميراثِ وهو جنينٌ في بَطْنِ أُمِّه، وحَرَّمَ الاعتِداءَ على حياةِ الأَجِنَّةِ والمساسَ بها تحتَ أي ظرفٍ من الظُّرُوفِ، اللَّهُمَّ إلَّا ظَرْفًا واحدًا فقط هو أن يُمثِّلَ بَقاءُ الجنينِ خَطرًا مُحقَّقًا على حياةِ الأمِّ، وفيما عدا ذلك لا يجوزُ إجهاضُ الطفلِ متى حلَّت فيه الحياةُ مهما كانت الظُّروفُ والملابسات؛ لحُرْمَةَ حياة الطفل. وأوضح الإمام الأكبر مثالًا آخَر يُظهِرُ عِنايةَ الشريعةِ بحَضانةِ الطفلِ، وهو أنَّ الطفلَ الذى يُولَدُ من أبٍ مُسلِمٍ وأمٍّ مسيحيَّةٍ أو يهوديَّةٍ، ثم يَفتَرِقُ أبواه لأيِّ سببٍ من الأسبابِ فإنَّ شريعةَ الإسلامِ تَقضِي للأمِّ المسيحيَّةِ أو اليهوديَّةِ بحضانةِ الطفلِ المسلمِ ولا تَقضِي لأبيه وأُسرتِه المُسلِمةِ بحضانتِه.
عاش الأزهر ودام حصاده وعطاؤه للأمة الإسلامية وللحياة الإنسانية

إعلان