إعلان

قتل السائحين.. اعتداء على مقاصد الشريعة

هاني ضوه

قتل السائحين.. اعتداء على مقاصد الشريعة

08:56 م السبت 29 ديسمبر 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

إبحث عن لوجو مصراوي داخل الموقع يومياً خلال شهر رمضان للفوز بجائزة

تسجيل الدخول

بقلم – هاني ضوه

نائب مستشار مفتي الجمهورية

دائمًا ما تسعى جماعات التطرف والإرهاب إلى زعزعة أمن واستقرار البلاد والعباد مستندين في ذلك إلى فهم وتفسير منحرف للنصوص الدينية وبعد الآراء الفقهية التي اختطفت من سياقها لتبرير أعمالهم الإجرامية.

وبالأمس وقع حادث تفجير الحافلة السياحية بمنطقة المريوطية ما أسفر عن وقوع عدد من الضحايا من السائحين والمصريين ما بين قتيل وجريح، نتيجة زرع المتطرفين لعبوة ناسفة ركبتها عقولهم المفخخة بالتطرف والعنف والإرهاب.
لقد تغافل هؤلاء الخوارج عن مقاصد الإسلام العليا التي دعت إلى حفظ الأنفس والدين والأعراض والأموال والعقول .. بل وتناسوا ما قررته وأكدته الشريعة الإسلامية أن الأصل في النفس الإنسانية –أيًا كانت- هو عصمتها وعدم جواز الاجتراء على إنهاء حياتها؛ وقد نص القرآن الكريم على تحريم قتل النفس مطلَقًا بغير حق؛ فقال تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ}.. [الأنعام: 151].
وقتل نفس واحدة هو قتل للناس جميعًا، وهذا ما أكده الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم فقال: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا}.. [المائدة: 32].

أما هؤلاء الخوارج المتطرفون فقد ارتكبوا جرمين كل واحد منهما أعظم من الآخر، الجرم الأول: هو قتل الأبرياء الآمنين وسفك دمائهم غيلةً وغدرًا، والثاني: هو نقضهم لعهد الأمان الذي ضمنه الله سبحانه وتعالى ورسوله الكريم، وأعطته الدولة لهم بموجب تأشيرة الدخول إلى البلاد وهذا الفعل من صفات المنافقين الخالصين كما قال نبي الرحمة صلى الله عليه وآله وسلم فيما رواه الإمام البخاري: «أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا: إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ».

ليس ذلك فحسب، بل توعد الله عز وجل هؤلاء المتطرفين ناقضي العهود بالفضيحة الكبرى يوم الحساب، وهو ما نبهنا إليه الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم فيما رواه الإمام ابن ماجة: "مَنْ أَمِنَ رَجُلًا عَلَى دَمِهِ فَقَتَلَهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ لِوَاءَ غَدْرٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ".
فتأشيرة الدخول في عصرنا الحديث هي بمثابة عقد أمان، وذلك وفقًا للمواثيق الدولة والأعراف الإنسانية والتي تعتبر ان الإذن بدخول البلاد يضمن لصاحب التأشيرة الحفاظ على أمنه وسلامة نفسه وماله وعرضه حتى ولو كان هذا الشخص غير مسلم أو من دولة معادية ما لم يرتكب ما يخالف القانون فتعاقبه الدولة، فإذا دخل بها غيرُ المسلم بلادَ المسلمين لأي غرض من الأغراض -سياحةً أو غيرَها- فهو مُسْتَأمَنٌ لا يجوز التعرض له في نفسه ولا في ماله، وهو ما أكده علماء الأمة الإسلامية على مر العصور من أن اعتقاد الأمان يوجبه لصاحبه ولو كان حربيًّا.
وهو ما تؤكده الفتوى عندنا في دار الإفتاء المصرية بأن هذه التأشيرة هي "أمان للحاصل عليها، ويصبح ما تقتضيه هذه التأشيرة من العهود التي يجب الوفاء بها، والعهد ينعقد بكل ما يدل عليه، فإذا دخل بها غيرُ المسلم بلادَ المسلمين لأي غرض من الأغراض -سياحةً أو غيرَها- فهو مُسْتَأمَنٌ لا يجوز التعرض له في نفسه ولا في ماله، والتعرض له بالقتل أو بالأذى منكرٌ عظيم وذنب جسيم؛ لتعارضه مع مقتضى تأميننا له الذي ضَمِنَّاه له بسماحنا له بدخول بلادنا بالطرق الشرعية".

ولا مبرر لهؤلاء المتطرفين من أن الدولة المصرية هي من أعطت هؤلاء السياح التأشيرة وليس هم، وهو فهم مغلوط كعادتهم ومخالف لما أمرنا به النبي صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله، فليس عقد الأمان الذي أعطي لهم بموجب التأشيرة مقصورًا على السلطات المصرية وحدها، بل متى عقد مسلمٌ الأمانَ لغير مسلم وجب على جميع المسلمين الوفاءُ بذلك ولا يجوز الغدر بأهله؛ يقول الحافظ أبو عمر بن عبد البر المالكي في كتابه "الاستذكار في شرح مذاهب علماء الأمصار": "كل ما اعتبره الحربي أمانًا من كلام أو إشارةٍ أو إذنٍ فهو أمانٌ يجب على جميع المسلمين الوفاءُ به".

وهو ما أكد عليه نبي الرحمة صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله بقوله: «ذِمَّةُ المُسْلِمينَ وَاحِدَةٌ؛ يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ، فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِمًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لا يَقْبَلُ اللهُ مِنْهُ يَومَ القِيَامَةِ صَرْفاً وَلا عَدْلًا».

إعلان