إعلان

اتَّقُوا اللهَ فِي المُطَلَّقَات

د- أحمد شبل

اتَّقُوا اللهَ فِي المُطَلَّقَات

03:55 م السبت 18 مايو 2019

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

إبحث عن لوجو مصراوي داخل الموقع يومياً خلال شهر رمضان للفوز بجائزة

تسجيل الدخول

بقلم د- أحمد شبل
عضو مركز الأزهر العالمي للفتوى الإليكترونية

من العادات الاجتماعية الخطيرة التي يعاني منها كثيرٌ من الأفراد والأسر؛ التعامل مع لقب «مطلقة» على أنه سُبَّةٌ ومَذَمَّةٌ تنتقص ممن لحق بها هذا الأمر، فأصبحت الأسرة التي لحق بإحدى بناتها الطلاق تنظر إليها على أنها كابوس لا بد لها أن تتخلص منه، وقد تتحمل المرأة الظلم بجميع أنواعه كي لا يلحقها هذا اللقب الذي جعل منه المجتمع –خطئًا- نقيصةً يُعَيَّرُ به كل من ألجأتها الحاجة إليه، مما حوَّل الطلاق الذي شرعه الله تعالى ليكون حلًّا إلى كونه أزمة ومشكلة كبرى.

إن نظرة المجتمع السلبية إلى لقب «مطلقة» تسببت في الظلم الشديد لكثيرٍ من النساء، بل إنها بذلك تضاعف العذاب على تلك المسكينة التي فقدت العائل، وفقدت الاستقرار، والعيش الهنيء، واضطرت إلى البعد عن أبنائها فلذات أكبادها، وضحَّت بالكثير والكثير صيانة لكرامتها، وحفاظًا على دينها، ودنياها، وتكبدت في سبيل ذلك خسائر فادحة، ثم تأتي تلك النظرة الظالمة من المجتمع من حولها لتضاعف عليها العذاب بالغمز واللمز أحيانًا، والسخرية والإهانة والتحكم فيها أحيانًا أخرى، فماذا تفعل المسكينة إذا استحكم الخلاف واحتد، وانقلب السكن والمودة والرحمة إلى قلق وجحيم وقسوة؟ ماذا تريدون منها إذا دبَّ الكُره في قلبها نتيجة ما تراه من ظلمٍ لها، وعدم توافق مع السعي إليه؟ هل تريدون لها الوقوع في الحرام؟ ماذا تريدون منها إذا ظلمها زوجها ظلما يستحيل معه أن تكمل معه المسير؟ هل يرضيكم أنت تعيش في جحيم الاكتئاب والدونية والقهر؟ أليس من حقها أن تعيش حياتها هادئة مطمئنة كمثيلاتها من بني جنسها؟ .

إن الشرع الحنيف جعل لها حلًّا ومخرجًا فلماذا جعلتم منه أنتم أزمة ومشكلة؟ فقد أحلّه لها عند استحالة العشرة كمخرجٍ لأزمة قد تتفاقم أو تكون سببًا في وقوع الضرر على أحد الطرفين، وجعل منه خروجًا من ضيقٍ إلى سَعَةٍ فقال تعالى: «وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا» [النساء:130]، قد جعل الشرع لامرأة ثابت بن قيس مخرجًا حينما كَرِهَت العيش معه لأسباب مقبولة؛ فقد جاء في "صحيح البخاري" أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ، مَا أَعْتِبُ عَلَيْهِ فِي خُلُقٍ وَلاَ دِينٍ، وَلَكِنِّي أَكْرَهُ الكُفْرَ فِي الإِسْلاَمِ –أي أكره أن أقع فيما يغضب الله-، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟» قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اقْبَلِ الحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً»، استعملت حقّها الذي شرعه الله لها فلماذا يريد المجتمع أن يحرمها منه؟

فقد طُلِّقت بنتي النبي صلى الله عليه وسلم السيدة رقيَّة والسيدة أم كلثوم ولم يُلحق المجتمع المسلم المتبع لتعاليم دينه آنذاك بهما العار، وطُلِّقت من الصحابيات زينب بنت جحش، وأسماء بنت يزيد بن السكن الأنصارية، وبريرة، وغيرهن كثير رضي الله عنهن فما كان ذلك عيبا فيهن ولم يؤد هذا إلى الانتقاص منهن بأي حال بل تزوجن ثانية وبدأن مع أزواجهن الجدد الحياة الجديدة بعد أن عوضهن الله تعالى عما فقدن.

فلماذا ضاعفتم على المطلقة العذاب وظننتم فيها السوء كلما تحركت أو تكلمت وكأنها في قفص اتهام؟ ألم ينهكم الله تعالى عن سوء الظن فقال: «يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ» [الحجرات: 12]، ألم ينهكم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك بقوله كما في "البخاري": «إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ»، وهل يلزم من استحالة العشرة بين الطرفين أن يكون الخلل من جهة الزوجة؟ لماذا ألقيتم باللوم عليها ونسيتم أن هناك طرفًا آخر قد يكون هو المتسبب في هذا الطلاق بطريقة أو بأخرى؟
لماذا التمييز في الحكم على طرف دون طرف؟ ألكونها هي الطرف الأضعف؟ ألا فلنتق الله فيهن ولنعمل جاهدين على تغيير تلك الصورة المقيتة التي توارثها المجتمع جيلًا بعد جيلٍ مما أدََّى إلى وقوع الظلم المعنوي بل والمادِّيِّ على المرأة التي ما لجأت إلى هذا الأمر الذي أحَلَّه الله لها إلا بعد أن فاض بها الكيل وبلغ منه الجهد.
إننا هنا لا نشجع على الطلاق ولا نرغب فيه، ولكن لا يعني التنفير منه أن تنكسر المرأة وتقهر وتذوق العذاب ألوانًا، إننا نشجع على استقرار الأسرة حماية للأطفال من الضياع ولكن ما الحلّ إذا كانت الأم نفسها هي التي تضيع ويضيع باستمرارها دنياها بل وآخرتها؟ إن شرعنا الحنيف تميز بهذا الحلِّ فلماذا يريد المجتمع أن يحوِّل الميزة إلى عيب؟ إن على المجتمع أن يغيِّر من نظرته السلبية تجاه المطلقة فكفاها ما ألمَّ بها فقد استعملت حقها الطبيعي كإنسانة وفق ما شرعه الله تعالى لها، علينا أن نجعل من طلاقها الذي اُضُّطرت إليه بداية حياة جديدة وليس نهاية حياة، لنبعث الأمل فيها من جديد.

إعلان