إعلان

ما الحكم فيمن يتخلف هربًا بعد عمرة رمضان حتى يؤدي فريضة الحج؟

04:04 م الأحد 26 يوليو 2015

ما الحكم فيمن يتخلف هربًا بعد عمرة رمضان حتى يؤدي

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

تجيب أمانة الفتوى بدار الإفتاء المصرية:

الظاهر من السؤال أن هؤلاء المعتمرين قد دخلوا البلاد السعودية بتأشيرة للعمرة وأن قوانين تلك البلاد تُحتِّم عليهم المغادرة بعد الانتهاء من أعمال العمرة ولا تسمح لهم بالبقاء حتى الحج، وأنّ إقامتهم في هذه الحال مخالفة لقوانين تلك البلاد. وإذا كان ذلك كذلك، فالذي نفيده في هذا الشأن هو عدم الجواز؛ لما يلي:

أولًا: ما في ذلك من مخالفة أمر الحاكم، ومخالفة أمر الحاكم -طالما لم يكن بمحرَّم- لا تجوز؛ لأن الله تعالى قد أوجب طاعة أولي الأمر؛ قال تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلۡأَمۡرِ مِنكُمۡ}.. [النساء: 59]، وأخرج الستة عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «السَّمعُ والطّاعةُ على المَرءِ المُسلِمِ فيما أَحَبَّ وكَرِهَ، ما لم يُؤمَر بمَعصِيةٍ، فإذا أُمِرَ بمَعصِيةٍ فلا سَمعَ ولا طاعةَ»، والأدلة على هذا كثيرة، وطاعة أولي الأمر سبب لاجتماع الكلمة وانتظام المعاش؛ فلا بد للناس مِن مَرجِع يأتمرون بأمره رفعًا للنزاع والشقاق، وإلا لَعَمَّت الفوضى ودخل على الناس فساد عظيم في دينهم ودنياهم، والإجماع منعقد على ذلك.

وعلى هذا فللحاكم أن يَسُنّ مِن التشريعات ما يراه محققًا لمصالح العباد؛ فإنَّ تَصَرُّف الإمام على الرعية مَنُوطٌ بالمصلحة، والواجب له على الرعية الطاعةُ والنُّصرة. ومَن دخل إلى البلاد فعليه الالتزامُ بقوانينها، وتحرم عليه المخالفةُ، وقد أمر الحاكم هنا بمغادرة البلاد بعد العمرة، فتجب طاعته على الفور، ولا يجوز التخلُّف للحج، ويتأكد ذلك أيضًا إن قلنا إن الحج واجب على التراخي علي رأي الشافعية.

ثانيًا: ما يترتب على ذلك من الضرر الذي يلحق بالآخرين، والمقرر في قواعد الشرع أن الضرر يزال؛ وقد روى أحمد وابن ماجه عن ابن عباس وعبادة بن الصامت -رضي الله عنهم-، ومالك عن يحيى المازني -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: «لا ضَرَرَ ولا ضِرارَ». وليس الهدف من التشريعات المتعلقة بضبط أعداد الحجيج سواء أكان من داخل المملكة أم من خارجها إلا مصلحةَ المسلمين وتيسيرَ أدائهم لتلك الفريضة الجليلة ودَفعَ ما يترتب على زيادة أعدادهم عن الحد الذي قررته السلطات مِن مضار قد تصل أحيانًا إلى حد الوفاة. ثم ها هنا قد تعارضت مصلحتان إحداهما قاصرة -وهي حج من تخلف بعد العمرة- والأخرى مصلحة لعموم المسلمين لا تحصل إلا بضبط أعدادهم، وقد تعارضتا، فتقدم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة.

والمصالح التي تفوت بمثل تلك الممارسات عظيمة؛ فتقدَّم على أداء الحج للمتخلف بعد العمرة، بل لقد راعى الفقهاء من المصالح ما هو أقل من ذلك؛ فقد نصوا على تقديم صون الأموال على الحج إذا أُفرِطَتِ الغرامات في الطرقات، كما ذكره القَرافِي في الفُرُوق.

ثالثًا: ما يحصل للمتخلف مِن ذُلٍّ في حال اكتشاف أمره حيث يتم ترحيله، والناس لا ينظرون إلى الذين يتم ترحيلهم في كل الدنيا إلا نظرة ازدِراء، والمسلم لا ينبغي له أن يذل نفسه؛ فقد قال -صلى الله عليه وسلم- فيما أخرجه الترمذي وابن ماجه وأحمد من حديث حذيفة رضي الله عنه: «لا يَنبَغِي للمؤمن أَن يُذِلّ نَفسَه». وإذا كان المسلم لا يَلزَمه قبولُ هبةِ ثمنِ الماء الذي يحتاجه لوُضوئه وقد عَلَّل الفقهاء ذلك بما يلحقه مِن المنَّة -والشرع الشريف قد راعى هذا الأمر- فلأن لا يجب على المسلم تحصيلُ الحج بهذه الطرق المحرمة مِن باب أَولى، بل يَتَغَلَّظ الأمر في هذه الحال؛ إذ الأمر لا يقتصر على هذا المتخلف وحده، بل يتعداه فيَتَعَيَّر أهل بلدته بذلك، وربما كان ذلك داعيًا إلى سن تشريعات زائدة بخصوص أهل تلك البلد إذا تكرر من أبنائها مثل هذه الأعمال.

رابعًا: الواجب لا يُترَك إلا لواجب، كما تقرر في قواعد الفقه، وهنا الحاكم قد أمر بمغادرة البلاد عقب أداء العمرة، وطاعته واجبة، والحج الذي تخلف لأجله ليس بواجب في هذه الحال؛ لعدم استطاعته فعله إلا بمخالفات جسيمة.

خامسًا: ما يحصل مِن بعض المتخلفين مِن أمور تُسِيء إليهم وإلى بلادهم كالتسول وافتراش الطرقات. والافتراش الذي يحصل في أماكن عدة تحصل عنه أضرارٌ كبيرة تُشاهَد في كل موسم من جَرَّاء تعثر الحجاج بالمفترشين وسقوطهم فوق بعضهم، وفيهم مَن هو ضعيف أو مريض أو كبير السِّن، ويشتد الخطرُ مع ما يحملونه مِن أمتعة ثقيلة، ومع شدة الزحام فإن الأمر يؤدي إلى حدوث إصابات بالغة قد تصل إلى الموت.

فإن قيل: إن بعض الناس يُفتِي بجواز التخلف بعد العمرة لأداء الحج، فالجواب: إن هؤلاء المفتين إما أن يكونوا ممن يجوز لهم إفتاء الناس أو لا، فإن لم يكونوا ممن يجوز لهم الإفتاء فالأمر ظاهر؛ إذ هم ساقطون عن درجة الاعتبار، وإن كانوا ممن يُعتَدّ بأقوالهم فلا يسوغ متابعتهم في فتاويهم؛ لأنا إذا قدرنا هذه المسألة على سبيل التنزل من مسائل الخلاف، فحكم الحاكم في مسائل الخلاف يرفعه، والحاكم قد منع هنا هذه الأعمال.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان