إعلان

البحث عن راحة العقول..!

الكاتب محمد أحمد فؤاد

البحث عن راحة العقول..!

08:53 ص الجمعة 08 أغسطس 2014

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

إبحث عن لوجو مصراوي داخل الموقع يومياً خلال شهر رمضان للفوز بجائزة

تسجيل الدخول

بقلم - محمد أحمد فؤاد:

لن أعلن الاستسلام أمام دعاة التخويف ومحترفي فنون الإلهاء بين وجوه صعدت وانتشرت بكثرة أخيراَ..! ولا أود هنا الظهور كأحدهم، فلدينا منهم ما يكفي.. لكنني وبصدق، لا أستطيع منع هاجس المؤامرة من محاصرتي على الأقل فكرياً.. فالأمور لم تعد تمضي برتابة الماضي، وربما كان تسارع الأحداث وتطورها بعنف هو ما رسخ لهذا الشعور لدي..

مازلنا نَمُر بحالة البسترة الاجتماعية، تلك التي غالباً ما تعقب أي حراك ثوري حقيقي، و تجدها تتراوح بين سخونة وبرودة، وصعود وهبوط، وتحالف وانقسام، وتبعات ومتغيرات متلاحقة وسريعة تؤدي حتماً لارتباك المشهد.. حتى أن أغلب من اعتادوا ممارسة الحياة بحياد اختلطت عليهم الأمور بصورة محيرة لم يعتادوها، لهذا باتوا يتوقون لتهدئة أو لهدنة نفسية ولو مؤقتة، لربما تعود بهم إلى ما فقدوه من هدوء وسكينة.. خلال سنوات العهد المباركي البائد نجح هذا النظام المستبد في ابتداع مذهب خبيث في الحكم، بل وفرضه فرضاً عبر تفعيل رقابة حديدية على المادة الإعلامية واحتكارها إن صح التعبير، وأخطر ملامح هذا المذهب هو تحييد العقول عن مسئولية التفكير..! وهو ما يعد في نظري انتهاكاً صارخاً للأدمية في المقام الأول، وللحريات بصفة عامة لكونه يرسخ لتعطيل العقل قسراً وأحياناً قهراً.. وعلى إثره يتقاعس الفرد عن الاهتمام بالشأن العام، وتحكمه النزعة الفردية والرغبات الأنانية، فيتهرب من مجرد مسئولية التفكير أو ممارسة حق الاعتراض المشروع، وتجده يرتعب لدى حتمية اتخاذ أي قرار حتى فيما يتعلق بأدق أموره المصيرية.. مع الأسف هذا هو حصادنا المُر من العصر المباركي البائد، وأظنه السبب الرئيسي في عزوف الكثيرين عن الانخراط في ممارسة أدوار إصلاحية في المجتمع، وما يثير الدهشة هو أن مبارك وحاشيته لم يواجهوا أي تهم تتعلق بقضايا إفساد الحياة السياسية والنيابية، وإهدار فرص التحسن على ملايين من أبناء تلك الحقبة البائسة من تاريخ مصر..!

تحرير العقول مازال هو السبيل الأمثل لإقامة مجتمع صحي تصان به الحريات وتزدهر، وتمارس فيه معارضة رشيدة تضمن حماية الحاكم من أهوائه الشخصية، ومن بطانات السوء التي قد تتمثل في حاشيات الفساد أو جماعات المرتزقة والمنتفعين.. لم تعد لغة الخطاب التي تعني بفرض الرأي الرسمي بالقوة تتلائم ومفاهيم العصر، وأشكك في جدواها مع الأجيال الجديدة المتمردة بطبعها.. وبدون مراعاة أبعاد اجتماعية هامة منها على سبيل المثال الحق المكفول دستورياً في الرفض والاعتراض والاختيار، أكاد أجزم أنها ستساهم من جديد في صعود الفكر الأصولي المتشدد، وبالتالي نمو التطرف والعنف بصورة أشد همجية كرد فعل طبيعي للحصار الفكري أو كبت الحريات.. تعمد تضليل وإلهاء العامة عن الانشغال بالصالح العام والانخراط في المنظومة الوطنية كطرف مؤثر وفعال، ينأى بهم بالضرورة عن استشعار الأخطار الحقيقية التي تستهدفهم، ويؤدي لإنقسامهم مجتمعياً وطائفياً ويصل أحياناً للاقتتال والانتقام الدموي، الأمر الذي قد يستعصي حتماً على الإصلاح أو الحل إذا ما تفاقم...

التخبط الاجتماعي والديني والسياسي أصاب مصر وشعبها مع صعود التيارات الأصولية المتشددة وتصدرها للمشهد على مدار سنتين متعاقبتين، وقد نجح هؤلاء بخبث ونعومة الأفاعي في استغلال الجهل والأوضاع المتردية بين أبناء الطبقات الأقل حظاً لخدمة مخططاتهم التنظيمية المتطرفة.. وبعيداً عن الخوض في تفاصيل أسوأ مراحل حكم مصر على الإطلاق بالرغم من قصرها نسبياً، دعونا نسلط الضوء على حتمية حصار الأنماط السلوكية الهمجية والشرهة التي انتشرت بين فئات المجتمع بغض النظر عن أي مستوى أكاديمي أو اجتماعي ينتمون له، وأيضاً على الإقبال الجماهيري المؤسف على المادة الرخيصة والمبتذلة، سواء كانت إنتاج فني رخيص على شاكلة مسلسلات وأفلام يدعي من يقف وراء إنتاجها أنه محكوم برغبات الجمهور وبلغة العصر، أو برامج ثقافية مفترض أنها تعني بالتوعية، لكنها تحولت لمواد ومسابقات إعلانية رخيصة لا علاقة لها بثقافة أو توعية، وأيضاً برامج دينية تحولت إلى حلقات من التراشق والردح العلني بين أصحاب الآراء المختلفة من محترفي الظهور على الشاشات مقابل أجر..!

إذا سلَمنا جدلاً بأن الوضع الحالي هو ردة فعل طبيعية لما حدث في الفترة الماضية، إذاً فنحن أمام مواجهة ضارية تتطلب الحسم مع تلك السلبيات، ويجب تفنيدها بدقة لتقليل الخسائر الناجمة عنها قبل أن نفكر في أي مكاسب نهائية..! وفي وقت فيه الأمة أشد احتياجاً للعمل على تطوير منظومات التعليم والإنتاج والانضباط، وجب الانتباه لكل ما يدور في المنطقة من أحداث ليست بعيدة عن حدودنا تماماً، فمصر ليست بمعزل عما يحدث حولها، وما يحاك على حدودها من مكائد وصفقات مشبوهة، وما يقترفه الاستعمار الصهيوني من مجازر ومحاولات تخريبية تدار على حدودنا لكنها تستهدف بالتأكيد العمق المصري، لهذا فإدراك هذا الفصل المعتم من تاريخنا والتعامل معه بحرص سيوفر خروجاً أمناً من مستنقع الأزمات هذا..

لا شك أن المرحلة لا تحتمل تشكيك في النوايا والذمم، ولا محاولات إضعاف هيبة الدولة.. ومن العبث التمادي في التفاعل مع الضغائن وصغائر الأمور، والاستسلام لحملات التخويف الممنهجة، وكأن راحة ضمائرنا أصبحت في التواكل، وليس العمل الجاد والقدرة على الحسم، وسيكون من المؤسف حتماً لو سلمنا الراية لأبنائنا وهي منكسة ومنكسرة بفعل مفاهيم وسلوكيات مغلوطة، وعدم اكتراث بالمستقبل، لننهي فوراً هذه الحالة الفريدة من التغابي والضعف التي أصابتنا مؤخراً بفعل الانقسام والتشرذم، فالوقت حان للثورة بحق على الأسباب الحقيقية لإخفاقاتنا.. فهل سنستطيع التغلب على السلبية واللامبالاة داخلنا لنعي كيف نحاسب أنفسنا قبل أن نناصب حُكّامنا العداء ونقيمهم على أساس الظنون وليس الأفعال؟ وهل نعزُف أخيراً عن احتراف الكراهية والحقد ونتوقف عن لوم الأخر؟ حينها فقط سنصل لراحة العقول..!

لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك ...اضغط هنا

إعلان