إعلان

أبو لحية جنان..!

لحية

أبو لحية جنان..!

11:15 ص الخميس 21 أغسطس 2014

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

إبحث عن لوجو مصراوي داخل الموقع يومياً خلال شهر رمضان للفوز بجائزة

تسجيل الدخول

بقلم - محمد أحمد فؤاد:

بالطبع ليس المقصود بعنوان المقال ازدراء أو تهكم على ''عادة اقتداء'' يمارسها كثيرون من المسلمين دون غي أو شطط، لكن الإسقاط هنا يختص فقط بأصحاب المناهج التكفيرية المستحدثة، هؤلاء الذين يتخفون وراء وقار اللحية ومظاهر التدين الشكلي، بينما تضمر نفوسهم أفكار عفنة ونوايا سوداء وتعصب أعمى يسئ للدين أكثر مما يخدمه، وهنا أعني تماماً متشددون لا يدركون أنهم بعصبيتهم وسوء صنيعهم يسيئون للإسلام والمسلمين، وبرجعيتهم يخدمون كل من يتربص بالحضارة الإسلامية، ويبغي تقويضها أو تعطيل رسالتها التي تهدف لهداية جموع البشر، وتسعى لنشر مكارم الأخلاق وأفكار وتعاليم الإسلام السمحة التي تعتني في المقام الأول بالجوهر وليس بالمظهر، والتي تتصدى لكل محاولات الزيف والتشويه التي تستهدف إلصاق تهم الهمجية والتشدد بأرقى رسالة عرفتها الإنسانية.

البداية دائماً ما تكون محاولة شغل الرأي العام بمسائل ثانوية أو فرعية لم يحسمها نص قطعي الثبوت ومن ثم فالاجتهاد بشأنها مباح، ولهذا لا يمكن إغفال المحاولات الخبيثة من جانب مغرضين يسعون لفرض ما هو ليس بفرض على جموع المسلمين، وكيف أن بعضهم لأسباب شخصية وعنصرية بحتة، احترف التلاعب بالعقول ومارس العبث بهوية مجتمعنا الوسطية التي لم تهتز أو تتعرض للخلل إلا على يد هؤلاء المدعون من أصحاب المناهج التكفيرية القشرية، والبعيدة كل البعد عن صحيح الدين.. لا للعقل، ولا اجتهاد مع النص، ولا جدل في أقوال العلماء..! هكذا حدد هؤلاء منهجهم مبكرًا، وحاولوا إحكام الحصار الفكري، ظناً منهم أنهم يستطيعون تحييد كتاب الله وسُنة نبيه ''محمد'' عليه أفضل الصلاة والسلام، من خلال مجموع الشروح والتفاسير التي قُتلت بحثاً ودراسة ولم تنتهي إلا لأحد أمرين.. إما اتفاق قاطع أصله واضح وضوح الشمس في نص القرآن الكريم، أو خلاف فقهي مشروع يبيح الأخذ بالأحوط في حال اختلاط الأمر على المسلمين في أمور غالباً ما تكون تعبدية وليست عقائدية..!

وأعود إلى أن قضية اللحية هي في الأساس مسألة اقتداء، وليست تندرج تحت حكم الفرض أو السُنة الموجبة، لكنها تحولت بشكل مدهش مع صعود دراويش الإسلام السياسي وأئمة التشدد والحاشية المصاحبة لهم مؤخراً لسدة الحكم، إلى بطاقة تعارف وتحديد هوية أو جواز مرور، وأحياناً رخصة تسهيلات في كافة المواقع التي احتلها هؤلاء الأفاقون الجدد.. والأصل في مسألة اللحية لمن يعنيه الأمر، أنها من الأمور المختلف عليها فقهياً بين جمهور العلماء، وقد قال الفقهاء من الأحناف والمالكية والحنابلة، ويقال عند الشافعية بوجوب اعفاء اللحية وكراهة حلقها، ولكن الكلام في هذه المسألة قليل جداً في كتب الفقه المذهبية أو المستقلة، وربما يرجع ذلك لعدم حاجتهم حينها للخوض في تلك المسألة لأن المجتمع كله تقريباً كان ملتحياً عادة أكثر منه عبادة أو سُنة، فلم تكن بهم حاجة لمناقشة أمر حلق اللحية من عدمه، والثابت تاريخياً أن اللحية معروفة لدى الكثير من الثقافات حتى قبل الإسلام، ومن المعروف أن المعتمد عند الشافعية هو كراهية حلق اللحية لا حرمته. وقد ذكر ''الإمام النووي'' و''الإمام الرافعي'' شيخا المذهب الشافعي وأقرهم عليه المتأخرون ''كابن حجر الهيتمي'' و''الرملي'' وهما عمدة من جاء بعدهم في الفتوى على المذهب: '' كلام الرملي في الفتاوى المطبوعة بهامش فتاوى ابن حجر 4/ 69 باب العقيقة.. سُئل: هل يُحرم حلق الذقن ونتفها أو لا؟ فأجاب بأن حلق لحية الرجل ونتفها مكروه لا حرام، وبهذا يكون قول ''الحليمي'' في منهاجه ''لا يحل لأحد أن يحلق لحيته ولا حاجبيه'' في مقام الضعيف.

ولكونها من المسائل الفقهية الفرعية، لا أرى داعي ليكثر الاختلاف فيها بين الإعفاء والحلق، حتى وصل الأمر بالبعض مؤخراً لاتخاذها شعاراً يعرف به المؤمن من غيره، وهنا يكمن الخطر، حيث أن اللحية ليست بالضرورة دليل التقوى والورع، وديننا الإسلام ليس دين مظاهر.. وإلا كيف نفرق إذاً بين لحى ''تيودور هرتزل'' و''مائير كاهانا'' ولحية ''تشي جيفارا'' مثلاً! وفتاوى مشايخ الوهابية أغلبها يحرم حلق اللحية، والغريب أنه في السعودية يندر نشر الفتاوى الأخرى المبيحة أو الكارهة فقط لحلقها.. وكانت فتوى الأزهر رقم 2 الموضوع ''1198'' فضيلة المفتي/ ''جاد الحق على جاد الحق'' أغسطس1981 هي الأكثر وضوحاً وعقلانية وجاء فيها: ''ما ترشد إليه السُنة الشريفة وآداب الإسلام في الجملة من أمر الملبس والمأكل وهيئة الإنسان الشخصية لا تدخل في العبادات، بل للمسلم أن يتبع فيها ما تستحسنه بيئته ويألفه الناس ما لم يخالف نصاً أو حكماً متفق عليه''، ولكون أمر إعفاء اللحية مختلف فيه بين الوجوب والسُنة والندب، فوجب العودة للقاعدة الأصولية ''ما اختلاف فيه لا إنكار فيه، وما يتطرق إليه الاحتمال يسقط به الاستدلال'' بدلاً من إضاعة الوقت والجهد في مناقشة أمور لا تقدم، بل أظنها تؤخر كثيراً من حجية الإسلام بسبب أفكار هؤلاء الظلاميون..

ما كنت لأكتب هذا المقال حتى استفزني مؤخراً على إحدى الشاشات الفضائحية مناظرة مؤسفة عن السُنة النبوية والصحيحين لم تخلو من تراشق وبذاءة وسباب تكفيري بين مجموعة من المشايخ كلهم للعجب من ذوي الخلفية الأزهرية..! وكم شعرت بعدها بالخجل والأسف لي وللمسلمين جميعاً من هذا التدني في لغة الحوار وغياب التوقير والاحترام بين أبناء الدين الواحد والوطن الواحد، وجاءت دهشتي الأكبر من حرص مقدم البرنامج غريب الأطوار على افراد أكبر مساحة ممكنة من زمن الحوار لتلك المهزلة المهينة لنا جميعاً.. الاختلاف الفقهي أمر مقرر في الشريعة والتاريخ الإسلامي وفي عهد النبوة، ورافض هذا الاختلاف مبتدع في الدين بدعة أصلية لا وكيل عليها الا الانتصار للنفس واتباع ما تهوى الأنفس.. والله أعلم..!

لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك ...اضغط هنا

إعلان